الرأي

سيكولوجية الأرقام المالية

حنان المرحبي
تعد الملخصات المالية التي تصدرها الشركات المدرجة إحدى الدعائم الأساسية للحفاظ على كفاءة السوق المالي وثقة المتعاملين فيه. يبني المتداولون قراراتهم المتعلقة بشراء أو بيع الأسهم المدرجة على نتائج الأرباح وقيم الأصول المعلنة سنويا من قبل الشركات.

وتقع مسؤولية إنتاج تلك الملخصات المالية على المحاسبين والمدراء التنفيذيين، حيث يقومون بإعدادها وفقا لمعايير المهنة وأنظمة السوق المتبعة بالسوق المالي الذي يعملون فيه.

وقد يبدو غريبا للبعض إذا ما قلت إن معظم المعايير والأنظمة المحاسبية تعطي المحاسب مساحة للاختيار وتخوله الحق في الاعتماد على تقديره الشخصي لمعالجة العديد من العمليات المالية. في الواقع، قرابة نصف الأرقام المالية هي أرقام تقديرية وتعتمد على نظرة وتنبؤات المحاسبين والمدراء الماليين والتنفيذين (تقديرات إهلاك الأصول، تقديرات الديون المعدومة، تقديرات الإيرادات والمصروفات المقدمة والمستحقة).

فهل يثق المتعاملون أو مستخدمو الأرقام المالية في تقديرات هؤلاء وهم بشر تحركهم دوافع ومصالح قد تتعارض في بعض الأحيان مع مصالح الأطراف الأولى؟ وما دور المعايير المحاسبية إذا كانت معظم المعالجات المالية خاضعة لتقديرات المحاسبين والمدراء التنفيذيين والماليين؟

إن رقم الأرباح إذا ارتفع، عكس ذلك صورة إيجابية عن وضع الشركة الحالي والمستقبلي، وجعل المهتمين بأمرها راضين عن أداء طاقمها الإداري، وقد يترتب عليه رفع المكافآت والعلاوات لهم. وفي المقابل، إذا أعلنت الشركة عن تراجع في رقم الأرباح، جاءت الضربة قاسية من قبل المتعاملين بالسوق المالي، لتكون النتيجة هبوط أسعار أسهمها وتوجيه أصابع اللوم لإدارتها. لهذا، قد نصل إلى بعض القناعة بأن المحاسبة تتأثر بسيكولوجية متخذي القرارات داخل الشركة.

بعد انهيار إنرون وما تزامن مع هذا الحدث من فضائح مالية تسببت في الأزمة المالية للسوق الأمريكي في أواخر 2001، انخفضت الثقة في المحاسبين ومهنة المحاسبة وازدادت المطالب لتفعيل الحوكمة والإشراف القريب على المهنة، فأصدر الكونجرس قانون (Sarbanes–Oxley Act 2002) الذي ضاعف من مسؤولية الشركات (بزيادة مسؤولية المدراء وأعضاء مجالس الإدارة القانونية) ووضع المهنة تحت إشراف شديد من قبل الفيدراليين، عبر مجلس (PCAOB).

أتت المعالجة الأمريكية بالمزيد من المساءلة والتدخل في المهنة، وهي إشارة صريحة لانخفاض الثقة بالمحاسب وعدم الرغبة لترك المهنة تعمل باستقلالية.

والمفارقة العجيبة أن معظم الدول المتقدمة والنامية من بينها السعودية تتجه إلى تطبيق معايير المحاسبة المالية الدولية (IFRS) الموحدة. هذه المعايير تقوم على المبادئ (لا القواعد كما هو الوضع في أمريكا)، لهذا ستمنح المحاسب عددا أكبر من الخيارات وسترحب بتدخله الشخصي في العديد من المعالجات، فهل يستدعي ذلك القلق من احتمالية نشوء أحداث شبيهة لفضائح إنرون؟

تثبت الدراسات السيكولوجية أن دوافعنا ورغباتنا تؤثر على طريقتنا في تفسير المعلومات مهما تحرينا النزاهة والمصداقية، وتذكر بعض الآراء أن هناك نوعا من التحيز لا يدركه الشخص ولكن سيكون حاضرا ومحركا له في جدله ومفاوضاته. فهل يمكن للمحاسبة أن تثبت قدرتها على إنتاج أرقام نقية من الشوائب البشرية؟

almarahbi.h@makkahnp.com