الرأي

حين تزهر التماسيح

دبس الرمان

هبة قاضي
الساعة السابعة والثلث صباحا، وأنا منهمكة في مراجعة العرض الذي سأقوم بتقديمه في إحدى الإدارات الحكومية، والذي تم التنسيق له قبل ثلاثة أشهر تقريبا. حقيقة أنا متخوفة قليلا لأنني أعرف أن المادة وطريقة العرض ليستا تقليديتين أو ضمن الأطر الأكاديمية والبحثية المعتادة. ولكن ما يطمئنني هو أنهم بالتأكيد لم يدعوني لإلقاء فقرة في ندوتهم التابعة لمبادرتهم المجتمعية إلا لأن طريقتي وطرحي الواضح من كتاباتي أعجباهم، وعليه فلن أحاول التنميق أو المجاملة. راجعت عنوان العرض الذي قمت فيه بدمج كلمتين والخروج بكلمة جديدة للتعبير عن المشكلة، ثم قمت باستعراض حالة حقيقية لفتاة لديها سقطات فكرية في موضوع التعايش وهو الموضوع الأساسي لمبادرتهم.

الساعة الآن السابعة وخمس وأربعون دقيقة، اتصال من رقم غريب على جوالي، رددت عليه وأنا موقنة بمن المتصل وما غرض الاتصال. بطريقة مهذبة جدا أعلمتني إحدى المسؤولات في لجنة المحتوى العلمي بأنهم يعتذرون عن السماح لي بتقديم النصف الساعة التي طلبوها هم مني لأن المحتوى في نظرهم لا تنطبق عليه شروط اللجنة العلمية. ابتسمت بهدوء وأنا أخبرها أنه لا مشكلة، ثم اغتنمت الفرصة لأخبرها عن صديقة لي تحاول التواصل معهم منذ سنة بخصوص مبادرتهم الاجتماعية، حيث إنها أجرت بحثا وتجارب في الموضوع وفقط تريد إفادتهم بها لتحقيق تأثير حقيقي لها في المجتمع، لترد علي بصوتها المهذب قبل أن أنهي كلامي بأن على صديقتي التواصل مع الجهات الرسمية (من عند الرجال)، حيث إنهن (النساء) لا يمتلكن الصلاحيات ولا علاقة لهن بالتطوير أو التحسين. أنهيت المكالمة بمزيد من الهدوء، ما زال (لا شيء مستغربا)، بل المستغرب كان استمرار سماحهم لي بدخول معاقلهم التي يستفردون فيها بالاستماع لأنفسهم ومن شابههم، أو إظهار أي رد فعل غير مسبق البرمجة تجاه محاولات التعاون الخارجية.

شاهدت مرة على قناة الناشونال جيوجرافيك برنامجا وثائقيا عن مجموعة من الحيوانات في إحدى قفار أفريقيا، والذي كان يعرض حرب البقاء التي تخوضها الحيوانات حول منبع الماء الوحيد في تلك البقعة القاحلة. كان نبع الماء يجف رويدا رويدا بفعل الحرارة، وبدأت الكثير من الحيوانات بالهجرة بحثا عن منابع جديدة. قطيع التماسيح قرر بعضه الهجرة بينما أصر بعضه الآخر حين تحول النبع إلى طين على الاختباء من الحرارة تحت ظل بعض الأشجار، في حين رفض أكبرها سنا مغادرة الوحل حتى اللحظات الأخيرة مما أدى كنتيجة طبيعية إلى تحولها إلى هياكل عظمية في أماكنها التي أصرت على البقاء فيها. السنن الكونية تقول إن الركود يؤدي إلى العفن، وإن رفض التغيير يؤدي إلى الفناء، وإن الربيع لا بد قادم، وإن الينابيع ستعود لتمتلئ وتزهر الحياة حولها في أماكن جديدة.

heba.q@makkahnp.com