صاحب تاج العروس سكن مكة وتأثر بلغة أهلها
الجمعة / 1 / رجب / 1437 هـ - 22:15 - الجمعة 8 أبريل 2016 22:15
السيد محمد مرتضى الزبيدي، من أشهر علماء القرن الثاني عشر الهجري، وأكثرهم إنتاجا، وما زالت كتبه ومؤلفاته تخضع للبحث والتحقيق من قبل الدارسين والمهتمين باللغة العربية وغيرها من العلوم حتى الآن.
ورغم أنه ليس مكيا، إلا أن إقامته في مكة فترة من الوقت انعكست بظلالها على إنتاجه العلمي، وأثر شيوخها في نشأته، فقد ولد أبوالفيض محمد مرتضى بن محمد الزبيدي سنة 1145هـ، بمدينة بلجرام في الهند، ونشأ في زبيد باليمن، ومنها رحل إلى الحجاز، حيث أقام في مكة بداية من سنة 1163هـ، واستضافه في نفس العام بقرية السلامة بالطائف السيد عبدالرحمن العيدروس، ومكث عنده أكثر من ستة أشهر كان فيها معززا مكرما.
وهنا تأتي المرحلة المهمة من مراحل حياة الزبيدي حيث ذكر أهلها والقادمين إليها، وترجم لهم في معجم شيوخه، فقد ذكر لقاءه بالشيخ إبراهيم بن محمد الريس مؤقت الحرم المكي، وقال عنه: «اجتمعت به في مكة كثيرا، وأحبني وأعارني من الكتب ما احتجت إليه، ولما وردت إلى مصر كان يكاتبني في كل سنة بلذيذ خطابه»، كما التقى فيها بإبراهيم المنوفي وسماه أديب الحجاز. وتعرف فيها على بدرالدين خوج، والأديب المكي الشريف باز بن شبير النموي، وقابل علي بن تاج الدين القلعي ووصفه بأنه أعجوبة الزمان في الأدب، وغير هؤلاء، ممن كان لهم الأثر الكبير في تكوين حصيلته العلمية.
والواقع أن الشيخ محمد مرتضى الزبيدي أعطى من خلال معجم شيوخه، صورة رائعة ومشرقة عن الوضع الأدبي والثقافي والعلمي في مكة، ومقدار اهتمام العلماء المكيين بالقادمين من طلبة العلم، وحفاوتهم بهم، ومؤازرتهم ومساعدتهم، وتوجيههم ونصحهم بل إن خروجه إلى مصر وإقامته فيها كان بتوجيه من السيد عبدالرحمن العيدروس الذي سبق ذكره، كما أشار إلى ذلك في معجم شيوخه.
وكان للمجتمع الحجازي تأثير واضح على محمد مرتضى حتى في لباسه، فقد ظل محتفظا بلباسه المكي حتى وفاته سنة 1205هـ، لذا نجد عبدالرحمن الجبرتي يقول في تاريخه عجائب الآثار »كان يعتم مثل أهل مكة، عمامة منحرفة (مائلة) بشاش أبيض، ولها عذبة مرخية على قفاه، ولها حبكة وشراريب حرير طولها قريب من فتر، وطرفها الآخر داخل طي العمامة، وبعض أطرافها ظاهر«.
وكانت حياته حافلة بالعطاء والتأليف، واللقاءات العلمية، والحلقات الدراسية، ترك أكثر من مائة مؤلف في الأدب واللغة والتراجم والفقه.
ويعد كتاب تاج العروس من جواهر القاموس، والذي استدرك وأكمل به الزبيدي كتاب القاموس المحيط للفيروزآبادي أهم وأشهر مؤلفاته، وقد أتمه في سنوات عدة، وانتهى منه 1181هـ، وبعد أن أكمله جمع طلاب العلم، واحتفل بهذا الإنجاز، وأولم لهم وليمة، ولأهمية الكتاب اشتراه منه محمد بك أبوالذهب بمائة ألف درهم فضي ليضعه في مكتبة الجامع المعروف به بالقرب من جامع الأزهر، كما استنسخ منه نسخة ملك المغرب، وسلطان دارفور، والخليفة العثماني.
واللافت في كتاب تاج العروس أن الفترة التي قضاها محمد مرتضى الزبيدي في مكة، أثرت فيه تأثيرا واضحا، كما تعطي دلالة واضحة على اختلاطه بمعظم الطبقات في مدن الحجاز حيث أورد كثيرا من الكلمات الدارجة في مكة خاصة والحجاز عامة، فمثلا نجده يقول عن (القيلة) »بالفتح هي محتفل الناس في نصف النهار«، وكانت القيلة في مكة المكرمة هي عنوان التواصل الاجتماعي، وتبادل الزيارات بين العوائل في البيوت، كما كانت هي عنوان الترفيه على مستوى المجموعات والأصدقاء (البشك)، خصوصا عند اعتدال الجو، وفي مواسم الأمطار، حيث يخرج الرجال إلى الضواحي والأطراف، مصطحبين ما يلزمهم، من طعام ونحوه، وتبدأ القيلة في العادة من أذان الظهر، إذا كانت على مستوى العوائل في البيوت، وتمتد حتى أذان المغرب، وربما قبله أو بعده بقليل، أما في حالة الخروج إلى أطراف مكة، فتبدأ من وقت الضحى، وتمتد حتى المغرب.
ويقول عن (البطة) «هي بلغة أهل مكة الدَّبة، لأنها تعمل على شكل البطة من الحيوان»، والبطة هي إناء كبير يستخدم في المناسبات والمقاهي لغلي الماء، وله صنبور من أسفله لصب الماء، ولم يعد مستخدما حاليا إلا في حدود ضيقة جدا. ويقول »أهل مكة يقولون أوحشتنا، وقد أوحشت الرجل فاستوحش، بمعنى تشوق«. وقال عن الفوقاني »وهو لباس كان معروفا في مكة يلبس فوق الملابس: مكية مولدة«. والأمثلة في القاموس أكثر من أن تحصر، وللاستزادة في هذا الجانب هناك رسالة ماجستير للباحث أحمد رزق السواحلي بعنوان: لهجة الحجاز في تاج العروس، وقد تحصل عليها من جامعة الأزهر سنة 1407هـ /1988م.
makkawi@makkahnp.com
ورغم أنه ليس مكيا، إلا أن إقامته في مكة فترة من الوقت انعكست بظلالها على إنتاجه العلمي، وأثر شيوخها في نشأته، فقد ولد أبوالفيض محمد مرتضى بن محمد الزبيدي سنة 1145هـ، بمدينة بلجرام في الهند، ونشأ في زبيد باليمن، ومنها رحل إلى الحجاز، حيث أقام في مكة بداية من سنة 1163هـ، واستضافه في نفس العام بقرية السلامة بالطائف السيد عبدالرحمن العيدروس، ومكث عنده أكثر من ستة أشهر كان فيها معززا مكرما.
وهنا تأتي المرحلة المهمة من مراحل حياة الزبيدي حيث ذكر أهلها والقادمين إليها، وترجم لهم في معجم شيوخه، فقد ذكر لقاءه بالشيخ إبراهيم بن محمد الريس مؤقت الحرم المكي، وقال عنه: «اجتمعت به في مكة كثيرا، وأحبني وأعارني من الكتب ما احتجت إليه، ولما وردت إلى مصر كان يكاتبني في كل سنة بلذيذ خطابه»، كما التقى فيها بإبراهيم المنوفي وسماه أديب الحجاز. وتعرف فيها على بدرالدين خوج، والأديب المكي الشريف باز بن شبير النموي، وقابل علي بن تاج الدين القلعي ووصفه بأنه أعجوبة الزمان في الأدب، وغير هؤلاء، ممن كان لهم الأثر الكبير في تكوين حصيلته العلمية.
والواقع أن الشيخ محمد مرتضى الزبيدي أعطى من خلال معجم شيوخه، صورة رائعة ومشرقة عن الوضع الأدبي والثقافي والعلمي في مكة، ومقدار اهتمام العلماء المكيين بالقادمين من طلبة العلم، وحفاوتهم بهم، ومؤازرتهم ومساعدتهم، وتوجيههم ونصحهم بل إن خروجه إلى مصر وإقامته فيها كان بتوجيه من السيد عبدالرحمن العيدروس الذي سبق ذكره، كما أشار إلى ذلك في معجم شيوخه.
وكان للمجتمع الحجازي تأثير واضح على محمد مرتضى حتى في لباسه، فقد ظل محتفظا بلباسه المكي حتى وفاته سنة 1205هـ، لذا نجد عبدالرحمن الجبرتي يقول في تاريخه عجائب الآثار »كان يعتم مثل أهل مكة، عمامة منحرفة (مائلة) بشاش أبيض، ولها عذبة مرخية على قفاه، ولها حبكة وشراريب حرير طولها قريب من فتر، وطرفها الآخر داخل طي العمامة، وبعض أطرافها ظاهر«.
وكانت حياته حافلة بالعطاء والتأليف، واللقاءات العلمية، والحلقات الدراسية، ترك أكثر من مائة مؤلف في الأدب واللغة والتراجم والفقه.
ويعد كتاب تاج العروس من جواهر القاموس، والذي استدرك وأكمل به الزبيدي كتاب القاموس المحيط للفيروزآبادي أهم وأشهر مؤلفاته، وقد أتمه في سنوات عدة، وانتهى منه 1181هـ، وبعد أن أكمله جمع طلاب العلم، واحتفل بهذا الإنجاز، وأولم لهم وليمة، ولأهمية الكتاب اشتراه منه محمد بك أبوالذهب بمائة ألف درهم فضي ليضعه في مكتبة الجامع المعروف به بالقرب من جامع الأزهر، كما استنسخ منه نسخة ملك المغرب، وسلطان دارفور، والخليفة العثماني.
واللافت في كتاب تاج العروس أن الفترة التي قضاها محمد مرتضى الزبيدي في مكة، أثرت فيه تأثيرا واضحا، كما تعطي دلالة واضحة على اختلاطه بمعظم الطبقات في مدن الحجاز حيث أورد كثيرا من الكلمات الدارجة في مكة خاصة والحجاز عامة، فمثلا نجده يقول عن (القيلة) »بالفتح هي محتفل الناس في نصف النهار«، وكانت القيلة في مكة المكرمة هي عنوان التواصل الاجتماعي، وتبادل الزيارات بين العوائل في البيوت، كما كانت هي عنوان الترفيه على مستوى المجموعات والأصدقاء (البشك)، خصوصا عند اعتدال الجو، وفي مواسم الأمطار، حيث يخرج الرجال إلى الضواحي والأطراف، مصطحبين ما يلزمهم، من طعام ونحوه، وتبدأ القيلة في العادة من أذان الظهر، إذا كانت على مستوى العوائل في البيوت، وتمتد حتى أذان المغرب، وربما قبله أو بعده بقليل، أما في حالة الخروج إلى أطراف مكة، فتبدأ من وقت الضحى، وتمتد حتى المغرب.
ويقول عن (البطة) «هي بلغة أهل مكة الدَّبة، لأنها تعمل على شكل البطة من الحيوان»، والبطة هي إناء كبير يستخدم في المناسبات والمقاهي لغلي الماء، وله صنبور من أسفله لصب الماء، ولم يعد مستخدما حاليا إلا في حدود ضيقة جدا. ويقول »أهل مكة يقولون أوحشتنا، وقد أوحشت الرجل فاستوحش، بمعنى تشوق«. وقال عن الفوقاني »وهو لباس كان معروفا في مكة يلبس فوق الملابس: مكية مولدة«. والأمثلة في القاموس أكثر من أن تحصر، وللاستزادة في هذا الجانب هناك رسالة ماجستير للباحث أحمد رزق السواحلي بعنوان: لهجة الحجاز في تاج العروس، وقد تحصل عليها من جامعة الأزهر سنة 1407هـ /1988م.
makkawi@makkahnp.com