الرأي

الإعلام السعودي.. بين تهمة الاختطاف.. وواقع الممارسة!

شاكر أبوطالب
ذكرني التخريب الذي تعرض له مكتب صحيفة (الشرق الأوسط) في بيروت، والإغلاق الوقائي الذي سبقه لمكتب قناة (العربية) في لبنان، ذكرني بأطروحات تتكرر دائما في (تويتر) من قبل بعض السعوديين، وبعضهم أكاديميون وإعلاميون، مفادها أن الإعلام السعودي مختطف! بل يتهمه بعضهم بخدمة أطراف خارجية! وفي أفضل الأحوال بأنه لا يخدم الأجندة الوطنية!

ولعل ما حدث في لبنان، وبكل أسف، يدفع بأطروحات اختطاف الإعلام السعودي إلى دائرة الشك والمراجعة، سواء من جانب المشترك المهني (روح النقابة)، أو من جانب المشترك الوطني، ولست هنا في سبيل المزايدة المهنية أو الوطنية، بل أحاول لفت الانتباه إليها كمشتركات تسمح باختبار تلك الأطروحات!

فعند الحديث عن أجندة (أولويات) الإعلام، لا بد من استحضار البيئة التشريعية والقانونية التي تعمل ضمنها وسائل الإعلام، ومراعاة طبيعة النظام السياسي الذي يؤطر حدود الممارسة الإعلامية. كما لا يمكن إغفال نظرة الحكومة لأهمية الإعلام والدور المطلوب منه، وكذلك لا يمكن تجاهل طبيعة الملكية للوسيلة الإعلامية، ومدى تأثير الملكية في رسم السياسة التحريرية للوسيلة.

فواقع الإعلام في السعودية، يؤكد بأنه إعلام لا يمكنه بأي حال من الأحوال خدمة أطراف خارجية، فالتلفزيون والإذاعة في السعودية قطاعان حكوميان، والصحف المؤسسة في المملكة خاضعة لقرارات مجلس الوزراء وتوجيهات وزير الإعلام، سواء على مستوى اعتماد مجالس إدارة المؤسسات الصحفية، أو تعيين رؤساء التحرير.

أما وسائل الإعلام المؤسسة خارج المملكة، وبرؤوس أموال سعودية مالكة لها بالكامل أو مساهمة بحصة فيها، فيحكمها قانونيا نظام البلد الذي تأسست فيه، ويتحكم في أجندتها الممول الغالب على ملكيتها، وأحيانا، وفي نطاق محدود، تتأثر سياستها التحريرية بسطوة المعلن أو نفوذ الوكيل الإعلاني.

ورغم ذلك، فإن أية وسيلة إعلامية لا يخضع تأسيسها للنظام الإعلامي أو التجاري في المملكة، وتمارس عملا خارج الاشتراطات المثبتة في عقد التصريح بمزاولة العمل الإعلامي، فيصبح إيقافها أقرب من استمرارها، فالعقد شريعة المتعاقدين.

وفي المقابل، ربما تسعى بعض وسائل الإعلام التجارية لكسب جمهور دون غيره، لغرس انطباع بالحياد والمصداقية، وهذا قد يتطلب أحيانا تمرير بعض ما يبدو وكأنه ضد توجه الجهة التي تقف خلف وسائل الإعلام تلك، لتنفي عنها التبعية.

وربما أيضا هناك قصور في الأداء الإعلامي أدى إلى عدم مواكبة تطلعات المجتمع أو الحكومة من الإعلام، أو تسبب في عدم تجسيد الأولويات الوطنية، ومع ذلك، فإن خدمة الإعلام لسياسة الدولة من عدمه، مسألة بيد الحكومة، فإن كانت نظرتها للإعلام أنه أداة تنموية وجهة منفذة لتوجهاتها، فسيبقى الإعلام ردة فعل، ينتظر دائما توجيها لاستكشاف مساحات جديدة، ظنت قيادات الإعلام عن سوء تقدير بأنها مساحات محظورة.

ولكن المؤكد اليوم، خاصة بعد ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه لا يمكن حجب المعلومة والخبر، وفي الوقت نفسه، أكدت لنا ممارسة الإعلام التقليدي بأنه غير معني بمجاراة مستوى حرية التعبير في تلك المواقع.

خلاصة القول، إن أية حكومة اليوم أصبحت تدرك جيدا أهمية الإعلام، ودور وسائله في رسم وتعزيز الصورة الذهنية للمجتمع أو للدولة، ولذلك تحرص على مراقبة محتواه وتوجهاته، حتى في الأنظمة الديمقراطية أو الرأسمالية وإن كان بطرق غير مباشرة.