النظرة للمرأة قبل نشوء علم الفقه وبعده
الأربعاء / 28 / جمادى الآخرة / 1437 هـ - 20:45 - الأربعاء 6 أبريل 2016 20:45
مرَّ (علم الفقه) بأطوار عدة، إذ لم يكن في عهدي الصحابة والتابعين علما مقنّنا له قواعده وأصوله ومذاهبه، بل كان كل عالم يطرح ما عنده من علم إذا استُفتي، والناس يرجعون لما تعارفوا عليه فيما ليس فيه نص شرعي عندهم، ولهذا فلم يتوسع الفقه ليشمل أحكام كل جزئيات الحياة كما حدث لاحقا بعد تكوُّن المذاهب، إذ بداية من القرن الثالث بدأت المذاهب تتكون، فسجلت فتاوى إمام المذهب، ومسائله، ورسائله، ومواقفه تجاه الوقائع، وكتبه، ونشط تلامذته في نشر ذلك كله، والإحالة إليه في الفتوى، فأصبح لكل إمام مذهب خاص له علماء وأتباع، ثم تحولت بداية من القرن الخامس أقوال أئمة المذاهب إلى ما يشبه نصا قانونيّا يُرجع إليه، ويخرَّج على قواعده ما يستجد من وقائع لم تكن في وقت الإمام، وكما هي عادة العلوم في توسعها تدريجيا توسع الفقه نتيجة حرص الفقيه على تشقيق المسائل، والبحث عن حكم شرعي لكل جزئية من جزئيات الحياة الاجتماعية والاقتصادية حتى وصل الأمر إلى افتراض وقائع لم تقع والبحث لها عن حكم شرعي.
وإذا قارنا بين الأحكام الشرعية التي تخص المرأة قبل نشوء علم الفقه وبعده نجد التوسع الهائل في تلك الأحكام بعد نشوء علم الفقه، مع طغيان النظرة الدونية للمرأة في المدونة الفقهية خاصة في العصور المتأخرة، فقبل نشوء علم الفقه كانت المرأة حاضرة بقوة في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، فعائشة رضى الله عنها كان الصحابة والتابعون يدخلون عليها فتضع حاجبا بينها وبينهم، ويسألونها، ويتعلمون منها الدين، والإمام الزهري طلب العلم على يد عمرة بنت عبدالرحمن الأنصارية، وقال عنها «وجدتها بحرا لا ينزف»، وعائشة وبعض النساء الصحابيات كن يشتركن مع الجيوش لمداواة الجرحى، قالت الرُّبيِّع بنت معوذ: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة» رواه البخاري، وكانت النساء تقوم بمهنة الطب كرفيدة، وأم عطية الأنصارية، والشفاء بنت عبدالله، وكان المسلمون في المدينة يتعاملون اجتماعيا كعادة العرب، ولم يكن ثمة تغيير كبير فيما يخص التعامل اجتماعيا مع النساء، ففي البخاري «لما عرَّس أبوأسيد الساعدي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما، ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد، فكانت خادمتهم وهي عروس» رواه البخاري، تلك نماذج يسيرة من الشواهد التاريخية التي اشتركت فيها المرأة، ولو حدثت تلك المشاهد بعد تكوُّن علم الفقه لكان للفقيه رأي تفصيلي وتدقيقي في جزيئات كل مشهد منها، هل يجوز؟، وهل يكره؟، وإذا كان جائزا فما ضوابطه؟ وإذا حل بضوابطه التي يضعها الفقيه هل الأولى تحريمه تركه سدا للذريعة؟.
لننتقل إلى نظرة (علم الفقه) للمرأة، ولنضيِّق الدائرة، ونقصر الحديث عن نظرة الفقهاء إلى المرأة في عقد الزواج، فقد قنن الفقهاء عقد الزواج على أنه مقايضة بين مال (مهر)، وبُضْع (فرج المرأة)، ويشيرون إليه بقولهم (منفعة البُضْع)، ولهذا كانت لهم بحوث حول: متى تستحق المهر؟، جاء في السراج الوهاج في شرح المنهاج: «ويصح عوضه – أي: المهر- قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة...، وأجازه عثمان، ولأنه عقد على (منفعة البضع)»، وفي كفاية النبيه: «ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض الصداق، وسواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر؛ دفعاً لضرر فوات البضع». وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب «واختلف في كفن الزوجة الحرة...، فقال ابن القاسم وسحنون هو في مالها، ولا يلزم الزوج غنيةً كانت أو فقيرة؛ لأن الكفن من توابع النفقة، والنفقة إنما كانت لمعنى، وهو الاستمتاع بالزوجة، وقد ذهب الاستمتاع بها بالموت، وإذا ذهب المتبوع ذهب التابع». هذه لمحة يسيرة جدا من تقنين الفقهاء لهذه القضية، وأحسب أن أي نهضة دينية تطمح إلى النهوض الديني يجب أن تبدأ بإعادة قراءة النص الديني كما هو في القرآن الكريم، والحديث الشريف، وأفعال الصحابة، والفصل بين ما هو من حركة الاجتماع البشري، وما هو من صلب الدين وأوامره.
aldahian.s@makkahnp.com
وإذا قارنا بين الأحكام الشرعية التي تخص المرأة قبل نشوء علم الفقه وبعده نجد التوسع الهائل في تلك الأحكام بعد نشوء علم الفقه، مع طغيان النظرة الدونية للمرأة في المدونة الفقهية خاصة في العصور المتأخرة، فقبل نشوء علم الفقه كانت المرأة حاضرة بقوة في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، فعائشة رضى الله عنها كان الصحابة والتابعون يدخلون عليها فتضع حاجبا بينها وبينهم، ويسألونها، ويتعلمون منها الدين، والإمام الزهري طلب العلم على يد عمرة بنت عبدالرحمن الأنصارية، وقال عنها «وجدتها بحرا لا ينزف»، وعائشة وبعض النساء الصحابيات كن يشتركن مع الجيوش لمداواة الجرحى، قالت الرُّبيِّع بنت معوذ: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة» رواه البخاري، وكانت النساء تقوم بمهنة الطب كرفيدة، وأم عطية الأنصارية، والشفاء بنت عبدالله، وكان المسلمون في المدينة يتعاملون اجتماعيا كعادة العرب، ولم يكن ثمة تغيير كبير فيما يخص التعامل اجتماعيا مع النساء، ففي البخاري «لما عرَّس أبوأسيد الساعدي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما، ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد، فكانت خادمتهم وهي عروس» رواه البخاري، تلك نماذج يسيرة من الشواهد التاريخية التي اشتركت فيها المرأة، ولو حدثت تلك المشاهد بعد تكوُّن علم الفقه لكان للفقيه رأي تفصيلي وتدقيقي في جزيئات كل مشهد منها، هل يجوز؟، وهل يكره؟، وإذا كان جائزا فما ضوابطه؟ وإذا حل بضوابطه التي يضعها الفقيه هل الأولى تحريمه تركه سدا للذريعة؟.
لننتقل إلى نظرة (علم الفقه) للمرأة، ولنضيِّق الدائرة، ونقصر الحديث عن نظرة الفقهاء إلى المرأة في عقد الزواج، فقد قنن الفقهاء عقد الزواج على أنه مقايضة بين مال (مهر)، وبُضْع (فرج المرأة)، ويشيرون إليه بقولهم (منفعة البُضْع)، ولهذا كانت لهم بحوث حول: متى تستحق المهر؟، جاء في السراج الوهاج في شرح المنهاج: «ويصح عوضه – أي: المهر- قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة...، وأجازه عثمان، ولأنه عقد على (منفعة البضع)»، وفي كفاية النبيه: «ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض الصداق، وسواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر؛ دفعاً لضرر فوات البضع». وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب «واختلف في كفن الزوجة الحرة...، فقال ابن القاسم وسحنون هو في مالها، ولا يلزم الزوج غنيةً كانت أو فقيرة؛ لأن الكفن من توابع النفقة، والنفقة إنما كانت لمعنى، وهو الاستمتاع بالزوجة، وقد ذهب الاستمتاع بها بالموت، وإذا ذهب المتبوع ذهب التابع». هذه لمحة يسيرة جدا من تقنين الفقهاء لهذه القضية، وأحسب أن أي نهضة دينية تطمح إلى النهوض الديني يجب أن تبدأ بإعادة قراءة النص الديني كما هو في القرآن الكريم، والحديث الشريف، وأفعال الصحابة، والفصل بين ما هو من حركة الاجتماع البشري، وما هو من صلب الدين وأوامره.
aldahian.s@makkahnp.com