الرأي

عدالة التنفيذ لحل أزمة الفواتير

شيء يبقى!

موفق النويصر
بعد أزمة فواتير المياه الأخيرة، أصبح شائعا أن يصاحب أي حديث تبريري لمسؤول بوزارة المياه، مقاطع فيديو غاضبة أو رسوم كاريكاتيرية ساخرة. وهي حالة شبيهة بتلك التي شهدتها بريطانيا قبل سنوات، عندما اقترح وزير في حكومة جوردان براون بعدم سحب سيفونات دورات المياه، إلا بعد قضاء 3 أشخاص حاجتهم، كخطوة للحد من هدر المياه.

الغريب في موضوع تعرفة المياه الجديدة أنها انتقلت من كونها فكرة «قد» تنجح في ترشيد الاستهلاك، إلى دخولها حيز التنفيذ قبل توفير عوامل نجاحها.

ولتوضيح ذلك سأعقد مقارنة بسيطة بين الزيادة التي اعتمدت في نفس اليوم لأسعار البنزين والأخرى للمياه.

في الأولى بدأ تنفيذها مباشرة بعد ساعات من إقرارها، سبقها توقف عن البيع لنحو ساعتين لتعديل أسعار المضخات، وبالتالي تقبل الناس التعديل وتعايشوا معه. أما في الثانية فقد أُقرت الزيادة على الورق، وترك تنفيذها لاجتهاد آلاف العاملين بالوزارة ونزاهة عدادات شركة المياه الوطنية.

في ظني أن الخلل الذي وقعت فيه الوزارة هو فرضها نظرية جعلت فيها المشترك هو السبب الرئيس للهدر، وبالتالي دفعت جهودها لمحاولة تأكيد ذلك، وعندما أخفقت في تحقيق المطلوب، لم تراجع نظريتها لضمان صحة معطياتها، بل قررت اعتماد تعرفة جديدة، وتطبيقها دون التمهيد لها أو التأكد من عدالة تنفيذها.

الأكيد أن المستهلكين يتحملون جزءا من هذا الهدر، ولكن المؤكد أيضا أن هناك عوامل أخرى لم تراعها الوزارة وهي تفرض تعرفتها، مثل أن متوسط أفراد الأسرة السعودية بحسب الهيئة العامة للإحصاء 7 أفراد، وبالتالي هم يحتاجون للاستحمام مرة أو مرتين في اليوم، بسبب حرارة الجو والرطوبة طوال العام، وما يتبع ذلك من غسل للملابس والطبخ وتنظيف الأواني المنزلية، ناهيك عن الوضوء للصلاة واستخدام المراحيض، وبالتالي فإن المقارنة مع معايير الاستهلاك العالمية غير منصفة.

الأمر الآخر ذهبت الوزارة نحو زيادة التعرفة قبل أن تعالج تسريبات شبكتها، أو ضبط المواقع الحكومية وشبه الحكومية التي لا تدفع مقابل الاستهلاك، وبالتالي شعر المواطن بازدواجية المعايير.

اللافت أن وزير المياه ومساعديه دفعوا بكامل طاقتهم نحو أن الهدر يتم عبر السيفونات والصنابير وتسريبات الشبكة الداخلية وغسل السيارات، ومع هذا لم يقدموا حلولا ابتكارية تغير من نمط استهلاك الناس. ولو أجرت الوزارة استفتاء عن برامج الترشيد العالقة في أذهانهم، أكاد أجزم أنهم لن يتذكروا سوى (تقليص كمية المياه في السيفونات)، والتي أثبتت التجارب عدم جدواها، كون المرء أصبح بحاجة لسحب السيفون أكثر من مرة.

شخصيا أعتقد أن الجميع ليس لديه اعتراض على التعرفة المقرة، بدليل قبولهم سابقا ولاحقا بأي تعديلات تطرأ على أسعار الخدمات، ولكن الاعتراض منصب على عدم عدالة التنفيذ، وهو ما يجب أخذه في الحسبان.

يبقى القول إن أزمة الفواتير حلها يكمن بضمان عدم انقطاع المياه، وبالتالي اضطرار المشترك لتعويض هذا النقص بالوايتات، ووجود عدادات منفصلة وسليمة لكل وحدة سكنية، حتى يثق بأن ما يدفعه هو نتيجة استهلاكه، وقبل ذلك نظام قراءة واعتراض شفاف وآلية دفع مقبولة.. فهل هذا كثير؟