الرأي

«دريعم» لا يحابي أحدا!

تفاعل

محمد طالب الحربي
قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الاجتماعات العائلية غالبا ما تحمل معها قضية من قضايا المجتمع، يتم نقاشها من جميع الحضور بمختلف مستوياتهم، يعلقون عليها بغضب وتنديد وربما بسيل من الشتائم، مع أن من أشعل الأمر هو أحد الحضور المتكئين على المركى في أقصى المجلس، يرتشف فنجان الشاي، ويعلك عود الأسنان بعد عشاء دسم، ويطلق الخبر من بين فكيه مبتدئا بـ(يقال أن)! إبراء لذمته.

في ذلك المجلس، نشأ دريعم يطلق آراءه حيال كل القضايا، ما يعرف منها وما لم يعرف، يتحدث في شتى الفنون ويأتي بالعجائب! ودريعم مشتق من فعل 'درعمة' بالعامية السعودية، وتعني التسرع في اتخاذ موقف ما دون تريث! ميزة دريعم هو أنه لا يتبنى توجها بعينه ولا تستطيع تصنيفه أصلا لا إلى هؤلاء ولا هؤلاء، فدريعم لا يحابي أحدا، وهو من الجميع ولهم، يجذبه الهاشتاق، يصرخ فيه ضد فلان، وفي اليوم التالي يعود مدافعا عنه بذات الدرجة من الصراخ، ولا يحتاج دريعم لكثير من الوقت في تكوين وجهة نظر متماسكة حول أمر ما، فهو يكتفي بقراءة عنوان الخبر - المثير- ليعرف كافة تفاصيله بما يملكه من حدس عجيب لم يحتج هذا الحدس سوى عنوان فقط!

تويتر الذي كنا نظنه شرا محضا، أصبح اليوم بمثابة المجلس الذي ولد فيه دريعم، لا يضم عائلة واحدة فحسب بل شعبا بمختلف أطيافه ومستوياته، تستطيع إلى حد ما استقصاء آرائهم حيال القضايا، وتشاهد بأم عينك أن الدرعمة تستحوذ على نسبة عالية من وجهات النظر فيه. الأنكى من هذا كله، أن الدرعمة لم تعد حكرا على (العامة) فالمثقفون أنفسهم أصبحوا أكثر درعمة، الأمر الذي يوضح مدى تجذر المشكلة، أي أن (الطبيب عيّان!). والمثقف المعوّل عليه في علاج المشكلة هو أحيانا جزء منها حينما يكون سطحيا في رؤيته، مستميتا في الدفاع عنها، بل وصل الأمر ببعضهم إلى حد المكابرة حتى بعد أن تبين له خطؤه!

إن الاحتقان الكامن لدى الأغلبية إزاء القضايا المختلفة، رسخ وجود هذه الدرعمة وأظهرها للسطح حتى أصبحت وباء لا يعرف عزيزا فيجتنبه ولا عاميا فيرحمه! فاستعداء السلطة على البعض، والتخوين المتبادل، وتهم الدعشنة المتطايرة في كل مكان، غذت هذه البذرة ورسخت جذورها في الأرض حتى أصبحنا على استعداد للدرعمة حول أخبار اليوم التالي!