فجوة بين الأكاديميين والممارسين الماليين
الاحد / 25 / جمادى الآخرة / 1437 هـ - 21:00 - الاحد 3 أبريل 2016 21:00
أقيم مؤخرا في ملبورن مؤتمر الأسواق المالية وحوكمة الشركات السابع (Financial Markets and Corporate Governance Conference) وقد استضاف مجموعة من كبار الباحثين والممارسين (practitioners) بالأسواق المالية والبنوك الأسترالية، وناقش المشاركون بالمؤتمر عددا من القضايا المالية المعاصرة وأكدوا على الدور الهام الذي تلعبه الحوكمة في ضبط وتوجيه القرارات داخل البنوك والمؤسسات المالية، كجهات لا يخفى تأثيرها الكبير على الاقتصاد الوطني.
وكانت إحدى أبرز الملاحظات التي تجلت للعيان هي الفجوة الواسعة بين القضايا التي تناولها الأكاديميون من خلال أوراقهم العلمية وبين القضايا التي عرضها الممارسين وقياديي المؤسسات الذين تمت استضافتهم.
ولن يكون الأمر محل استغراب المهتمين، فحضور الأكاديميين في الواقع العملي عبر إدارات أو مجالس إدارات الشركات أو الهيئات المهنية أو التنظيمية عادة ما يكون منخفضا. والمشكلة ليست محصورة بالاقتصادات النامية، ولكن تمتد جذورها من الدول المتقدمة وتنتشر حول العالم ولأسباب معروفة عند الأكاديميين.
وكما توقع الجميع، تبنى الأكاديميون المنظور العلمي الذي يتباهى بالدقة وصرامة المقاييس (rigorous approach)، لهذا لم يكن من المستغرب استبعاد الأوراق العلمية الكثير من القضايا الحامية لمجرد أنه يصعب قياس متغيراتها (أسبابها) بالطرق العلمية. ومحدودية الحلول المقدمة من قبل الأكاديميين كانت أيضا متوقعة، لأن المنظور العلمي يلزم بالتجربة أولا، ثم التوصية.
على سبيل المثال، تردد معظم الباحثين عن مناقشة «ثقافة بيئة العمل» وأثرها على نموذج الحوكمة المتبع، على الرغم من اتفاق معظم الآراء على أن الثقافة هي أحد أهم العوامل المؤثرة على سلوك متخذي القرارات وخياراتهم، والسبب يعود إلى صعوبة إخضاعها للقياس العلمي «كمتغير».
وعلى الجانب الآخر، كانت نقاشات الممارسين نابضة بالحياة وغنية بالمعاني، لأن مواضيعهم بدت أكثر اتصالا بالقضايا المالية المعاصرة والمشكلات التي تشغل بال كل مواطن. وبينما كان الأكاديميون يسهبون في الحديث عن الطرق العلمية المتبعة، ويفسرون نتائجهم ضمن الأطر النظرية المقيدة والتطبيقات الإحصائية المعقدة، كانت مواضيع الممارسين أكثر تحررا في تعريف المشكلات ومناقشة الحلول، ما جعل الحاضرين يتفاعلون معها بشكل لافت.
في الختام، خرج الممارسون الماليون بعدد من التوصيات من بينها ضرورة تطوير نماذج الحوكمة المتبعة، والحاجة للنظر في أسباب انخفاض حضور الأكاديميين في المجالس الإدارية، وتطوير الأنظمة المالية لتكون مشجعة للبنوك للتوسع في تمويل المشاريع الصغيرة والمشاركة في تنمية الاقتصاد. وعلى الصعيد الآخر، خرج الأكاديميون بنتائج تبدو وكأنها تسرد قصصا مختلفة، يصعب الربط فيما بينها أو فيما بينها وبين الواقع العملي، بالتالي، تراجعت فرص الاستفادة منها في تكوين رؤية واضحة حول تحديات البحث العلمي المعاصر ومستقبله، أو الخروج بتوصيات مرشدة للأنظمة والسياسات. تلك النتيجة متوقعة حينما تتبنى القافلة منظورا صارما، وتضفي عليه الطابع العقدي، فلا يسمح بالرؤية سوى من خلاله، ولا يجرؤ على تحديه أحد.
almarahbi.h@makkahnp.com
وكانت إحدى أبرز الملاحظات التي تجلت للعيان هي الفجوة الواسعة بين القضايا التي تناولها الأكاديميون من خلال أوراقهم العلمية وبين القضايا التي عرضها الممارسين وقياديي المؤسسات الذين تمت استضافتهم.
ولن يكون الأمر محل استغراب المهتمين، فحضور الأكاديميين في الواقع العملي عبر إدارات أو مجالس إدارات الشركات أو الهيئات المهنية أو التنظيمية عادة ما يكون منخفضا. والمشكلة ليست محصورة بالاقتصادات النامية، ولكن تمتد جذورها من الدول المتقدمة وتنتشر حول العالم ولأسباب معروفة عند الأكاديميين.
وكما توقع الجميع، تبنى الأكاديميون المنظور العلمي الذي يتباهى بالدقة وصرامة المقاييس (rigorous approach)، لهذا لم يكن من المستغرب استبعاد الأوراق العلمية الكثير من القضايا الحامية لمجرد أنه يصعب قياس متغيراتها (أسبابها) بالطرق العلمية. ومحدودية الحلول المقدمة من قبل الأكاديميين كانت أيضا متوقعة، لأن المنظور العلمي يلزم بالتجربة أولا، ثم التوصية.
على سبيل المثال، تردد معظم الباحثين عن مناقشة «ثقافة بيئة العمل» وأثرها على نموذج الحوكمة المتبع، على الرغم من اتفاق معظم الآراء على أن الثقافة هي أحد أهم العوامل المؤثرة على سلوك متخذي القرارات وخياراتهم، والسبب يعود إلى صعوبة إخضاعها للقياس العلمي «كمتغير».
وعلى الجانب الآخر، كانت نقاشات الممارسين نابضة بالحياة وغنية بالمعاني، لأن مواضيعهم بدت أكثر اتصالا بالقضايا المالية المعاصرة والمشكلات التي تشغل بال كل مواطن. وبينما كان الأكاديميون يسهبون في الحديث عن الطرق العلمية المتبعة، ويفسرون نتائجهم ضمن الأطر النظرية المقيدة والتطبيقات الإحصائية المعقدة، كانت مواضيع الممارسين أكثر تحررا في تعريف المشكلات ومناقشة الحلول، ما جعل الحاضرين يتفاعلون معها بشكل لافت.
في الختام، خرج الممارسون الماليون بعدد من التوصيات من بينها ضرورة تطوير نماذج الحوكمة المتبعة، والحاجة للنظر في أسباب انخفاض حضور الأكاديميين في المجالس الإدارية، وتطوير الأنظمة المالية لتكون مشجعة للبنوك للتوسع في تمويل المشاريع الصغيرة والمشاركة في تنمية الاقتصاد. وعلى الصعيد الآخر، خرج الأكاديميون بنتائج تبدو وكأنها تسرد قصصا مختلفة، يصعب الربط فيما بينها أو فيما بينها وبين الواقع العملي، بالتالي، تراجعت فرص الاستفادة منها في تكوين رؤية واضحة حول تحديات البحث العلمي المعاصر ومستقبله، أو الخروج بتوصيات مرشدة للأنظمة والسياسات. تلك النتيجة متوقعة حينما تتبنى القافلة منظورا صارما، وتضفي عليه الطابع العقدي، فلا يسمح بالرؤية سوى من خلاله، ولا يجرؤ على تحديه أحد.
almarahbi.h@makkahnp.com