الرأي

التأمين الإلزامي نموذج مكلف لشراكة القطاعين

فائز صالح جمال
انطلق التأمين الإلزامي بالتأمين على السيارات، لمواجهة الإشكالات الناتجة عن تبعات الحوادث المرورية من خسائر في الأرواح والممتلكات، وتكاليف التعويضات عن الوفيات والإصابات والتلفيات، والتي يعجز كثير من الناس عن دفعها..

ثم بعده بسنوات تبعه التأمين الطبي على العمالة الوافدة، وكان على مرحلتين، الأولى إلزام مؤسسات القطاع الخاص بالتأمين على عمالتها، والثانية التأمين على مرافقي العمالة.

وكلاهما -وأعني التأمين على السيارات والتأمين الصحي- للأسف تأسسا على قاعدة الإلزام، وركن إليها، ولم تؤثر فيهما المنافسة الشكلية التي سعت الجهات المعنية بالتأمين إلى توفيرها لتفادي ارتفاع الأسعار على المواطن والمقيم، إذ لا يزال سوق التأمين لدينا هو سوق احتكار القلة.. فعدد شركات التأمين يعد محدودا مقارنة بحجم الطلب، ويعزز هذا الاحتكار سيف الإلزام المسلط على أعناق القطاع الخاص والعمالة الوافدة.. وأثر هذا الاحتكار ملموس وواضح من الارتفاع المطرد لأسعار التأمين عاما بعد آخر..

وقد نشرت هذا الصحيفة قبل عدة أشهر دراسة أكدت أن أقل أسعار التأمين على السيارات عندنا تتجاوز ضعف أعلى سعر تأمين في دول الخليج..

وأما أسعار التأمين الطبي فحدث ولا حرج، وهو ما فتح أبوابا للفساد ولأكل أموال المضطرين بالباطل دون تقديم أي خدمة طبية لهم عند حاجتهم ومرضهم..

الغريب في تجربة الشراكة في مجال التأمين أنه اقتصر على إلزام المواطنين والمقيمين بالتأمين على السيارات والتأمين الطبي على الموظفين وعائلاتهم، ولم يتم إلزام شركات التأمين بأسعار محددة أو على الأقل أسقف عليا لمستويات ما تقدمه من خدمات، فوصل قسط التأمين الطبي السنوي للفرد الواحد إلى عشرات الآلاف، حتى بات قسط التأمين الطبي أقرب إلى قيمة شراء الخدمة الطبية ودفع هذه القيمة مقدما عبر شركات التأمين..

وكذلك لم يتم إلزام شركات التأمين بوجوب التأمين على جميع الموظفين دون استثناء كبار السن.. وبذلك ترك المجال للشركات للتنصل من توفير الرعاية الطبية لمن هم الأولى بها وهم كبار السن..

إن مبدأ التأمين الطبي مبني على توفير الرعاية الطبية والعلاج لجميع أفراد المجتمع بأعلى جودة وأقل كلفة ممكنة، وليس بهدف التربح من معاناة وأمراض الناس، ويتأكد هذا المبدأ عندما يكون قرار التأمين حكوميا إلزاميا.. فالحكومات معنية بتوفير الرعاية الطبية لمواطنيها -وفي بعض الدول كل من هم على أراضيها- مجانا، ولجوؤها لمفاهيم التأمين الطبي هو من باب خفض الكلفة على ميزانياتها وليس تجيير الكلفة للمواطن، بمعنى أنها هي من يدفع فاتورة التأمين وليس المواطن، وإذا سلمنا بأن على غير المواطن دفع تكاليف علاجه، فإن أضعف الإيمان أن يكون ذلك بكلفة منخفضة، وأن لا يسمح بالتمييز ضد كبار السن..

إن ارتفاع أسعار التأمين مقارنة بدول الجوار أثقل كاهل المواطن والمقيم، وأسهم في غلاء المعيشة.. ولذلك فإن المقترح من أجل كبح الأسعار وتخفيف كلفة فاتورة التأمين -وبالأخص الطبي- هو إلغاء الإلزام، والاستناد إلى تعود المستفيدين وحاجتهم خدمة التأمين، أو على الأقل التخفيف من الإلزام من خلال إلغاء الإلزام لشرائح من العمالة ومرافقيهم، وذلك من أجل إحداث توازن بين القوى التفاوضية لكل من شركات التأمين والمؤمن عليهم..

أما الاستمرار في الإلزام أو التوسع فيه فسيزيد من اشتعال الأسعار ويفتح المزيد من أبواب الفساد ويحرم من هم أولى بالرعاية الطبية من حقهم في العلاج وهم كبار السن.. والله المستعان.

faez.j@makkahnp.com