في ضرورة التفريق بين.. الفخ والضحية
السبت / 24 / جمادى الآخرة / 1437 هـ - 20:45 - السبت 2 أبريل 2016 20:45
عدم التمييز بين الفخ ونوع الضحية التي تقع بمصيدة التطرف والإرهاب المعاصر منذ خمسة عقود أدى إلى قراءات مشوهة وخلط شديد بمرور الوقت، مع ازدياد تعقيد الظاهرة وتنوع حالاتها، مما ساعد على تعويم الظاهرة وتشتيت الوعي العام بها.
منذ الستينات كان هناك ما هو ثابت وما هو متغير، فالمصيدة الفكرية ونوعية شبكة الأفكار التي أنتجتها مجموعة خطابات وفتاوى وآراء ومواقف حول تغيير المنكر والجهاد والولاء والبراء والحكم بغير ما أنزل الله.. وغيرها، هذه الأفكار شبه ثابتة حدثت فيها تطورات وتغييرات في لغة الخطاب لكن المضمون واحد، وازداد عمقا مع زيادة الـتأصيلات الشرعية لها في منتجات ومؤلفات هذا الفكر الجهادي وتطورات كل عقد.
هذه المصيدة لم تقف جامدة أمام تطورات كل مرحلة فقد حافظت على قدراتها التنظيرية حسب كل مرحلة، بالمقدمات والمرجعيات الشرعية في تراثنا الفقهي نفسها، لكن هموم كل عقد وشعاراته ونوعية الأزمات يغير من لون المصيدة وشكلها الظاهري ويبقى مضمونها واحدا.
في عقد الستينات والسبعينات ولد التكفير المعاصر من السجون والاضطهاد الشديد، حيث تكفير الأنظمة والطموح بانقلابات من وحي تأثير انقلابات العسكر الناجحة بالخمسينات والستينات التي قبضت على الحكم بدول عربية رئيسية، لكن هذا الطموح لم ينجح فكانت الحاضنة الأفغانية الموقتة لجهاد دفاعي مجمع عليه إسلاميا. في هذه الفترة مع توسع المد الإسلامي شعبيا في العالم العربي ظهر العنف الاحتسابي وخاصة في مصر، في الثمانينات وبداية التسعينات، تحت مفهوم إنكار المنكر باليد، وقد جاملت الخطابات الإسلامية ورموزها هذا النوع، ولم تواجهه بصرامة في ذلك الوقت، وحتى محليا بدأت بوادر هذا النوع بأحداث تخريبية متفرقة غير معلنة، وبعضها بالضرب لشخصيات معينة.
في التسعينات مع نهاية مفعول الجهاد الأفغاني الذي تحول حربا أهلية، جاء مفهوم الجهاد الأممي والمعولم الذي استمر حتى الآن، وهو الأكثر تعقيدا وقدرة على خلط الأوراق والأزمات المزمنة، من فلسطين إلى البوسنة والشيشان والصومال ثم العراق.. وما تلاه من تطورات الربيع العربي.
والتطورات الأخيرة ليست تغييرا في مضمون المصيدة الفكرية بقدر ما هو تنويع في الخطاب حسب أولويات المرحلة، ولهذا ظل الخطاب الجهادي في حالة تصاعد وبناء تراكمي لأفكار واحدة، يقابله عجز كبير من الخطاب الإسلامي الآخر الذي يرى أنه مخالف لهذا الفكر، فالإغراق في تفاصيل المواجهة مع التشدد المشترك بمرجعية واحدة يوقع بأزمة فعلية، ومصيدة تفرض على الشخصية العلمية الأمينة خيارات صعبة ومشافهة عالية الكلفة، بعكس أصحاب اللف والدوران بكلمات عمومية حول عدم الفهم والجهل، وهي مغالطة كبيرة خاصة أنه خلال هذه العقود الطويلة وقعت في فخ هذا الفكر شخصيات علمية ذكية، وطلبة علم محسوبة على الفكر السلفي وأصبح بعضها مرجعية له.
إذن الفخ أو المصيدة واحدة التي ورطت مئات الآلاف منذ الستينات بهذا الفكر، وهذا المسار وجد قبل عصر الانترنت والانفتاح الإعلامي وبعده. تعددت أشكال الضحايا ومستوى تعليمها وأعمارها، وأماكن معيشتهم وعائلاتهم، ومستواهم الاقتصادي في الشرق والغرب، وتنوعت الأزمات السياسية والحروب. ما يحدث من تنوع في الضحايا الذين تقل أعدادهم أو تزداد حسب الظروف السياسية في المنطقة ومستجداتها يجب ألا يستعمل في التغطية على حقيقة الفخ التي يجتهد كثيرون لإيهام البعض بأنها مجرد دعايات غربية وأذنابهم في الداخل، حتى لو وجد فعلا لدينا طرح غوغائي ناقد للخطاب الديني والواقع الداخلي، فإن هذا يجب ألا يمنعنا من الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية وليست مصطنعة.
نحن بحاجة إلى قراءات متنوعة تثري الوعي بالقضية، وهي موجودة وتظهر أحيانا في عدة كتابات، لكن قد تضيع في زحمة المقالات والكتابات المدعومة من تيارات قوية وشلل فكرية في الداخل، حيث تستغل التشعب الذي حدث في الظاهرة مع تنوع الضحايا في التغطية على طبيعة الفخ وحقيقته، لتبرئة أوضاعنا الداخلية حسب كل أجندة.
في الأسبوع الماضي، هناك أكثر من مقال يستحق الإشارة إليه منها مقال عبدالسلام الوايل في جريدة الحياة «انتحار بروكسيل ضوء في نهاية النفق»، وقدم فيه معالجة مختلفة في رؤية الانتحار وأنواعه، معتمدا على إحدى الدراسات الشهيرة في علم الاجتماع لدوركايم، مثل هذه القراءة تثري الوعي بحالة الضحية، وهو جانب مهم نحن بحاجة إليه، مقابل ذلك جاء مقال سليمان الضحيان قبل يومين بهذه الصحيفة بعنوان: «أين (سد الذريعة) عن العمليات الانتحارية؟» وفيه رؤية جديدة ومهمة في المحاججة والتنوير حول طبيعة الفخ يستحق الوقوف عندها، ثم هناك المقال الثالث يوم الثلاثاء الماضي لعبدالرحمن الراشد في جريدة «الشرق الأوسط» بعنوان: «ملاحقة التطرّف قبل الإرهاب»، وهو يتحدث عن علاقة التطرف بالإرهاب، وقد عالج في أكثره هذا الجانب وأتفق معه، لكنه في آخر أجزاء المقال يشير إلى فكرة تكررت عند غيره بأن «نشوء التطرّف الديني وصعوده لا علاقة له بالعدالة الاجتماعية، ولا المظلومية السياسية بل يمثل مشروعا أيديولوجيا يهدف إلى السيطرة، وإلغاء الغير» وهذا الكلام بإلغاء تأثير الواقع الاجتماعي والسياسي لا تؤيده الوقائع المتعددة، وهو أحد مشكلاتنا في الطرح، فحقيقة وجود الفخ والتطرف كمنظومة فكرية لها ملامحها ومفاهيمها الثابتة في بنية الخطاب، يجب ألا تنقلنا إلى تبرئة الواقع، فالتمييز يساعدنا على رؤية أوضح للظاهرة الإرهابية، وليس صدم الحقائق ببعضها.
alkhedr.a@makkahnp.com
منذ الستينات كان هناك ما هو ثابت وما هو متغير، فالمصيدة الفكرية ونوعية شبكة الأفكار التي أنتجتها مجموعة خطابات وفتاوى وآراء ومواقف حول تغيير المنكر والجهاد والولاء والبراء والحكم بغير ما أنزل الله.. وغيرها، هذه الأفكار شبه ثابتة حدثت فيها تطورات وتغييرات في لغة الخطاب لكن المضمون واحد، وازداد عمقا مع زيادة الـتأصيلات الشرعية لها في منتجات ومؤلفات هذا الفكر الجهادي وتطورات كل عقد.
هذه المصيدة لم تقف جامدة أمام تطورات كل مرحلة فقد حافظت على قدراتها التنظيرية حسب كل مرحلة، بالمقدمات والمرجعيات الشرعية في تراثنا الفقهي نفسها، لكن هموم كل عقد وشعاراته ونوعية الأزمات يغير من لون المصيدة وشكلها الظاهري ويبقى مضمونها واحدا.
في عقد الستينات والسبعينات ولد التكفير المعاصر من السجون والاضطهاد الشديد، حيث تكفير الأنظمة والطموح بانقلابات من وحي تأثير انقلابات العسكر الناجحة بالخمسينات والستينات التي قبضت على الحكم بدول عربية رئيسية، لكن هذا الطموح لم ينجح فكانت الحاضنة الأفغانية الموقتة لجهاد دفاعي مجمع عليه إسلاميا. في هذه الفترة مع توسع المد الإسلامي شعبيا في العالم العربي ظهر العنف الاحتسابي وخاصة في مصر، في الثمانينات وبداية التسعينات، تحت مفهوم إنكار المنكر باليد، وقد جاملت الخطابات الإسلامية ورموزها هذا النوع، ولم تواجهه بصرامة في ذلك الوقت، وحتى محليا بدأت بوادر هذا النوع بأحداث تخريبية متفرقة غير معلنة، وبعضها بالضرب لشخصيات معينة.
في التسعينات مع نهاية مفعول الجهاد الأفغاني الذي تحول حربا أهلية، جاء مفهوم الجهاد الأممي والمعولم الذي استمر حتى الآن، وهو الأكثر تعقيدا وقدرة على خلط الأوراق والأزمات المزمنة، من فلسطين إلى البوسنة والشيشان والصومال ثم العراق.. وما تلاه من تطورات الربيع العربي.
والتطورات الأخيرة ليست تغييرا في مضمون المصيدة الفكرية بقدر ما هو تنويع في الخطاب حسب أولويات المرحلة، ولهذا ظل الخطاب الجهادي في حالة تصاعد وبناء تراكمي لأفكار واحدة، يقابله عجز كبير من الخطاب الإسلامي الآخر الذي يرى أنه مخالف لهذا الفكر، فالإغراق في تفاصيل المواجهة مع التشدد المشترك بمرجعية واحدة يوقع بأزمة فعلية، ومصيدة تفرض على الشخصية العلمية الأمينة خيارات صعبة ومشافهة عالية الكلفة، بعكس أصحاب اللف والدوران بكلمات عمومية حول عدم الفهم والجهل، وهي مغالطة كبيرة خاصة أنه خلال هذه العقود الطويلة وقعت في فخ هذا الفكر شخصيات علمية ذكية، وطلبة علم محسوبة على الفكر السلفي وأصبح بعضها مرجعية له.
إذن الفخ أو المصيدة واحدة التي ورطت مئات الآلاف منذ الستينات بهذا الفكر، وهذا المسار وجد قبل عصر الانترنت والانفتاح الإعلامي وبعده. تعددت أشكال الضحايا ومستوى تعليمها وأعمارها، وأماكن معيشتهم وعائلاتهم، ومستواهم الاقتصادي في الشرق والغرب، وتنوعت الأزمات السياسية والحروب. ما يحدث من تنوع في الضحايا الذين تقل أعدادهم أو تزداد حسب الظروف السياسية في المنطقة ومستجداتها يجب ألا يستعمل في التغطية على حقيقة الفخ التي يجتهد كثيرون لإيهام البعض بأنها مجرد دعايات غربية وأذنابهم في الداخل، حتى لو وجد فعلا لدينا طرح غوغائي ناقد للخطاب الديني والواقع الداخلي، فإن هذا يجب ألا يمنعنا من الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية وليست مصطنعة.
نحن بحاجة إلى قراءات متنوعة تثري الوعي بالقضية، وهي موجودة وتظهر أحيانا في عدة كتابات، لكن قد تضيع في زحمة المقالات والكتابات المدعومة من تيارات قوية وشلل فكرية في الداخل، حيث تستغل التشعب الذي حدث في الظاهرة مع تنوع الضحايا في التغطية على طبيعة الفخ وحقيقته، لتبرئة أوضاعنا الداخلية حسب كل أجندة.
في الأسبوع الماضي، هناك أكثر من مقال يستحق الإشارة إليه منها مقال عبدالسلام الوايل في جريدة الحياة «انتحار بروكسيل ضوء في نهاية النفق»، وقدم فيه معالجة مختلفة في رؤية الانتحار وأنواعه، معتمدا على إحدى الدراسات الشهيرة في علم الاجتماع لدوركايم، مثل هذه القراءة تثري الوعي بحالة الضحية، وهو جانب مهم نحن بحاجة إليه، مقابل ذلك جاء مقال سليمان الضحيان قبل يومين بهذه الصحيفة بعنوان: «أين (سد الذريعة) عن العمليات الانتحارية؟» وفيه رؤية جديدة ومهمة في المحاججة والتنوير حول طبيعة الفخ يستحق الوقوف عندها، ثم هناك المقال الثالث يوم الثلاثاء الماضي لعبدالرحمن الراشد في جريدة «الشرق الأوسط» بعنوان: «ملاحقة التطرّف قبل الإرهاب»، وهو يتحدث عن علاقة التطرف بالإرهاب، وقد عالج في أكثره هذا الجانب وأتفق معه، لكنه في آخر أجزاء المقال يشير إلى فكرة تكررت عند غيره بأن «نشوء التطرّف الديني وصعوده لا علاقة له بالعدالة الاجتماعية، ولا المظلومية السياسية بل يمثل مشروعا أيديولوجيا يهدف إلى السيطرة، وإلغاء الغير» وهذا الكلام بإلغاء تأثير الواقع الاجتماعي والسياسي لا تؤيده الوقائع المتعددة، وهو أحد مشكلاتنا في الطرح، فحقيقة وجود الفخ والتطرف كمنظومة فكرية لها ملامحها ومفاهيمها الثابتة في بنية الخطاب، يجب ألا تنقلنا إلى تبرئة الواقع، فالتمييز يساعدنا على رؤية أوضح للظاهرة الإرهابية، وليس صدم الحقائق ببعضها.
alkhedr.a@makkahnp.com