الرأي

الكتابة نبض على البردي

طلب مني أن أكتب مقالا لصحيفة محترمة كتقييم لمهارتي الأدبية.. لطالما كان هذا حلمي الأول والأخير ولا أدري إن كان الوحيد! فالكتابة إحساس وتعبير وحياة.. الكتابة نبض على البردي.. الكتابة عشق ما بين الكاتب والمكتوب، والمكتوب به والمكتوب له.. كما هو الحال بين الحب والمحبوب والمحب وما يوصل أو يفرق بينها.. ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال أو القطعة أو المساحة لخوفي على شرف كلماتي.. لم أرد لهن التكشف أمام القراء دون ستار محترم.. منمق ومهيب، فللكلمات حرمة، وللمعتصمية هيبة وإجلال.. الضاد لم تكن يوما أداة! لطالما كانت من النعم الأول..! فإما أن تستر بها وتستر وإما أن تبهت بها وتبهت. تفرق الكلمة وتجمع!

ثمانية وعشرون حرفا نسجن كلام الله في أروع حلة زينت بهن صحف التبيان. ثمان وعشرون حرفا أنزلهن جبريل الكريم بمصفوفات ودلائل ربانية فاكتمل بهن الكتاب وفصل بهن القول ورفعت بهن الأقلام وجفت بهن الصحف في لوح محفوظ. فهيبة الحرف لا هيبة بعدها ولا قبلها... فالحرف جند من جنود الله.

ولماذا تؤنث الحروف؟ إجلالا للمرأة التي تقود وتوصل، تبني، تعلم، تنجب، تربي، تذرف وتمسح! المرأة مثل الحرف تماما لا تكتمل المعاني إلا إذا تمت! كما الماء تماما.. الماء أصل الحياة.. أينما توفرت المياه والحروف والمرأة نبضت العروق وبنيت الأمم بنية محمدية متوتدة بعمادها الذي أصله اقرأ.

وما بين السماء والأرض تهيم الكلمات منها ما يرفع للمليك ومنها ما يتنزل على قلوبنا. أقدارنا كلمات تنزل من السماء ومناجاتنا كلمات تسري للعرش، ولو كشف عنا الغطاء لأبصرنا الحروف حولنا في حركة مستديمة، فالحركة، الفعل، العمل، السعي، كلها مسميات لمعنى واحد يتجلى كجند إلهي يشكل حيواتنا جميعها.. نعم بدءا من المداد وانتهاء بكشف الغطاء.

والحمد الله على وجوده السرمدي.