معضلات الإصلاح في المراحل الانتقالية بالدول العربية
الجمعة / 23 / جمادى الآخرة / 1437 هـ - 21:45 - الجمعة 1 أبريل 2016 21:45
احتلت الصراعات حول قطاع الأمن حيزا مركزيا في سياسات كل الدول العربية التي مرت بمراحل انتقالية غداة النزاعات المسلحة أو الاضطرابات السياسية منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، وذلك وفقا لتقرير حديث صادر عن مركز كارنيجي. وفي الأماكن التي لم يتم فيها إعادة تشكيل التحالفات النخبوية التي كانت قائمة قبل المرحلة الانتقالية، أو لم تستبدل هذه التحالفات، لم تعد قطاعات الأمن تخدم بوضوح نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مهيمنا. في ضوء هذه السياقات، لا تستطيع النماذج النمطية المأخوذة عن الغرب لإصلاح قطاع الأمن توفير حل مناسب لمعضلات كشفت الدول العربية التي تخوض مراحل انتقالية النقاب عنها، بل تقتصر قدرتها على تغيير هذه القطاعات بشكل سطحي وحسب. إذن، ثمة حاجة إلى تغيير شامل، لكن الحالة السياسية والمؤسسية الهشة التي تشهدها الدول العربية التي تمر في مراحل انتقالية تشكل عقبة كأداء.
مستقبل مليء بالتحديات
كشف الربيع العربي بصورة مثيرة مدى الغضب الشعبي تجاه قوى الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي التي حافظت على الأنظمة القديمة. بيد أن الاستياء العميق من سلطة الدولة القسرية شكل أيضا عمليات انتقالية حدثت سابقا، لدى خروج مجتمعات عربية أخرى من النزاع المسلح أو من الاحتلال المباشر.
اتخذت كل حالة مسارا مختلفا، إلا أن المرحلة الانتقالية لم تؤد في أي منها إلى توافق دائم بين الأطراف السياسية الفاعلة الرئيسة أو في المجتمع عموما في ما يتعلق بدور قطاع الأمن والحوكمة فيه؛ وهو القطاع الذي يتكون من قوى الشرطة ومختلف القوات شبه العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي والاستخبارات والجمارك، وغيرها من الإدارات التي تعمل في الغالب تحت الإشراف المباشر لوزارات الداخلية، ويبدو هذا جليا في ما يتعلق بضبط الأمن في أوسع معانيه: الدفاع عن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد؛ وقمع المعارضة؛ وإنفاذ القواعد الاجتماعية، وهو ما يقوم به قطاع الأمن برمته، وربما ينظر أفراد المجتمع عموما إلى توفير مياه الشرب والكهرباء والخدمات البلدية بوصفها استحقاقات بديهية ومنافع عامة أساسية، ومع ذلك تتباين المفاهيم إلى حد كبير حول تحديد ما يشكل ضبطا جيدا للأمن.
معضلات ضبط الأمن في الدول العربية التي تخوض مراحل انتقالية
مستقبل مليء بالتحديات
- لا يمكن أن يشق إصلاح قطاع الأمن طريقه، إلا إذا رأت النخب السياسية والقوى المؤسسية الرئيسة مصلحة مشتركة فيه. وبسبب غياب ذلك، انشقت قطاعات الأمن وفق خطوط طائفية وإثنية وحزبية، أو أكدت على استقلالها الذاتي التام سعيا وراء أجنداتها الخاصة.
- قواعد الشفافية العامة وآليات الإشراف النمطية التي تدعو إليها مقاربات الإصلاح التقليدية، لا يمكنها أن تتصدى إلى الفساد أو النشاط الاقتصادي غير الشرعي في قطاع الأمن. أما الدول العربية التي تخوض غمار مراحل انتقالية، فهي على وجه الخصوص غير مستعدة لأن تقوم بإصلاحات ضرورية محفوفة بالمجازفة، أو أن تفرض المساءلة.
- تتطلب إعادة تأهيل وإصلاح قطاعات الأمن مقاربة غير متحزبة، وتعتمد على التوصل إلى توافق معقول حول مكونات النظام الاجتماعي وحول مبادئ الاقتصاد العادل المقبول. في غياب ذلك، لن يكون للمساعدة التقنية والتدريب اللذين يطرحان بشكل روتيني في برامج الإصلاح قيمة تذكر.
كشف الربيع العربي بصورة مثيرة مدى الغضب الشعبي تجاه قوى الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي التي حافظت على الأنظمة القديمة. بيد أن الاستياء العميق من سلطة الدولة القسرية شكل أيضا عمليات انتقالية حدثت سابقا، لدى خروج مجتمعات عربية أخرى من النزاع المسلح أو من الاحتلال المباشر.
اتخذت كل حالة مسارا مختلفا، إلا أن المرحلة الانتقالية لم تؤد في أي منها إلى توافق دائم بين الأطراف السياسية الفاعلة الرئيسة أو في المجتمع عموما في ما يتعلق بدور قطاع الأمن والحوكمة فيه؛ وهو القطاع الذي يتكون من قوى الشرطة ومختلف القوات شبه العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي والاستخبارات والجمارك، وغيرها من الإدارات التي تعمل في الغالب تحت الإشراف المباشر لوزارات الداخلية، ويبدو هذا جليا في ما يتعلق بضبط الأمن في أوسع معانيه: الدفاع عن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد؛ وقمع المعارضة؛ وإنفاذ القواعد الاجتماعية، وهو ما يقوم به قطاع الأمن برمته، وربما ينظر أفراد المجتمع عموما إلى توفير مياه الشرب والكهرباء والخدمات البلدية بوصفها استحقاقات بديهية ومنافع عامة أساسية، ومع ذلك تتباين المفاهيم إلى حد كبير حول تحديد ما يشكل ضبطا جيدا للأمن.
معضلات ضبط الأمن في الدول العربية التي تخوض مراحل انتقالية
- الأطر الدستورية في هذه الدول مفككة والميدان السياسي يشهد استقطابا حادا، الأمر الذي يمنع بروز الحوكمة الفعالة لقطاعات الأمن.
- قدرات الدولة تتراجع، الأمر الذي يقوض قدرة قطاع الأمن على المساعدة في الحفاظ على النظام الاجتماعي والاقتصاد العادل.
- إعادة تأسيس هذه الحكومات على محاربة الإرهاب، فاقمت أنماط قديمة من السلوكيات العنيفة وإفلات قطاع الأمن من العقاب، مما يعزز مقاومة القطاع للإصلاح.
- فاقم تضاؤل موارد الدولة، وازدياد الاقتصادات غير الرسمية، وتراجع الشرعية، تكاليف إصلاح قطاعات الأمن وجعلها أكثر مهنية، ودفعت هذه التطورات قطاعات الأمن إلى التورط في الفساد والتواطؤ مع الشبكات مما عزز مقاومة هذا القطاع للإصلاح.
- لجأت أعداد متزايدة من المواطنين إلى أشكال بديلة من ضبط الأمن المجتمعي وإلى آليات ترتكز على الأعراف، غير أن هذه الأنظمة تتآكل، ليحل محلها في كثير من الأحيان هيئات هجينة تستند إلى الميليشيات.