الرأي

الطموح الإيراني غير المشروع

منى عبدالفتاح
يبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت تستبق الخطى نحو الاستجابة لصوت صحيفة «USA TODAY» وتحذيرها من سياسة اللين مع إيران، فأخذت التطمينات تترى بخصوص الطموح الإيراني غير المشروع. من قبل سادت فرضية كانت تعنى ببروز منطقة آسيا والمحيط الهادي وتهديد «الخطر الصيني»، كأولوية للولايات المتحدة، وأوشك هذا الاهتمام على سحب البساط من تحت أقدام الشرق الأوسط.

بالنظر إلى حقيقة أن منطقة الخليج هي جزء من «الأمن القومي الأمريكي»، كما جاء في مبدأ كارتر الذي صدر عام 1980، فإن الحاجة الأمريكية للنفط وضمان تدفقه وتثبيت قيمة الدولار ليبقى العملة الوحيدة التي يباع بها، كلها مصادر يمكن أن تقوي بها المملكة العربية السعودية موقفها في رد أي عدوان إيراني.

ولعله من نافل القول إن ما حرك إيران ليس خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما السابق الذي ذكر فيه أن الصراع في منطقة الخليج بين إيران وجيرانها، خاصة المملكة العربية السعودية هو صراع سني- شيعي. وقبل أن يتراجع أوباما أخيرا عن خطابه، أسرعت إيران في استثماره وجعلته يصب في مصلحتها، وذلك لأنه يدعم نهجها في صراعها الإقليمي وفي اجتراح هذه الصورة المختلة.

يتداخل الطموح التوسعي لإيران مع نمو النزعة القومية، ويذكر التاريخ أن خطورة هذه النزعة في أنها هي ما أدت إلى حدوث نزاعات عدة بين دول أوروبا حول الحدود وإلى مطالبة بعض القوميات بالانفصال، واحتدام التنافس حول المستعمرات. وقد نتج عن تلك الخلافات تكوين تحالفات أبرزها دول الوفاق ودول المركز وتزايدت النفقات العسكرية لجل بلدان أوروبا.

يمكن أن يكون حديث أوباما صحيحا لو جاء في القرن الثامن عشر حين كان ما يجمع الدول هو الهوية المبنية على أساس ديني ولغوي، فمثلا كانت الشعوب الأوروبية تنضوي تحت لواء الحضارة المسيحية الغربية بلغة موحدة هي اللاتينية. مثلما سادت في الشرق الأوسط الحضارة الإسلامية واللغة العربية. وبعدها قامت الدول القومية إما على أساس وحدة اللغة أو العيش المشترك أو وحدة المصالح الاقتصادية.

ولكن أثبتت الحضارة الإسلامية المبنية على وحدة الدين واللغة العربية تماسكا في الشرق الأوسط والأدنى، مقارنة بالحضارة المسيحية التي مرت بمراحل عدة منها عصر النهضة، حيث تبنت أوروبا اللغة اليونانية والرومانية وبعدها إلى الحضارة الفرنسية التي أصبحت نهج المثقفين والمستنيرين. ثم ارتبطت النزعة القومية بمنافسات الدول الغربية -بريطانيا مثالا- على النفوذ واستعمار بقية دول العالم حتى غدت إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس مصدر فخر أوروبا، ونمت كنتيجة لذلك نزعة دول العالم الثالث إلى التحرر فبرزت ثقافتها ولغتها كوسيلة للتحرر من قبضة الاستعمار.

وبالعودة إلى الموقف الأمريكي، فإن الشيء الأكثر إثارة للجدل، كما ذكر جاريث إيفانز وزير خارجية أستراليا السابق، يكمن في أن قضية الأسلحة النووية فقدت قدرتها على إثارة الصدمة. الواقع الآن أن الزخم باتجاه عالم خال من الأسلحة النووية والمستلهم من خطاب آخر سابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما في براغ عام 2009، بدأ الآن يسلك الاتجاه العكسي بشكل حاد، بعد أن تعثر على مدى السنوات القليلة الأخيرة.

الآن بدأ الاتجاه في تقبل الاحتمال الأبعد وهو أن الاتفاق النووي قد لا يحقق التأثير المطلوب مع نشوء اختلافات حول الكيفية التي يعرض بها الطرفان الأمريكي والإيراني ما تم التفاوض عليه. وهناك أيضا اعتراضات الرأي العام الغربي على توقيت إلغاء العقوبات الاقتصادية قبل أن تفي إيران بالتزاماتها، خاصة مع تلميح الكونجرس الأمريكي حول مدى كفاية شروط الرصد والتفتيش، مما قد يقف حائلا دون إعطائه الموافقة النهائية.

الكل ينتظر ما قد تفضي إليه الأحداث القادمة. وبينما مواقف المملكة، يسهر الخلق جراها ويختصموا، فإن هذا الموضوع لا يسبب لدولة في حجمها وموقفها القوي سوى التحسب الاستباقي لما قد تقود إليه الأطماع الإيرانية.

mona.a@makkahnp.com