في قلب الغابة
تفاعل
الأربعاء / 21 / جمادى الآخرة / 1437 هـ - 21:00 - الأربعاء 30 مارس 2016 21:00
تغيرت اتجاهات أدب الطفل كثيرا مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، فبعد الإرث الفكتوري في بريطانيا والذي كرس صورة وصائية عن الطفل جعلت منه متلقيا صامتا ومطيعا للبالغ الذي عليه دوما أن يقولب النصائح التربوية في صورة قصص ورثناها من الفلكلور الأوروبي كليلى الحمراء وغيرها، صار مسموحا أن نداهم النص الفلكلوري بفكرة تكسر نمطيته وتزعزع الحس الغائي فيه لتجعله يتناسب مع طفل معاصر يعرف أكثر عن حقه في التساؤل والبحث عن المعنى كما الكبار.
طفل القرن العشرين أكثر تعقيدا من الطفل البسيط الذي عاش حياته كمتلق سلبي من المعلم والأهل والقاص أو الحكواتي، وطفل اليوم يفوقهم تعقيدا مع دخول قوقل وعالم الانترنت لدرجة تجعلنا نتساءل أحيانا عن الحد الفاصل بشكل دقيق بين البالغ والصغير.
كان لا بد لأدب الطفل أيضا أن يواكب هذه التغيرات في مفهوم الطفولة وأن يغير خطابه. كثير من التوجهات في أدب الطفولة الحديث صارت لا تفرق حقيقة في نصوصها عن التراكيب الأدبية التي تكسر الحدود الفاصلة وتناسب الصغار والكبار معا على حد سواء. أنتوني براون أحد هؤلاء الكتاب المعاصرين وله مجموعة كبيرة من القصص المرسومة، تشتهر أعماله بالنصوص المركبة والصور السوريالية وتبتعد أميالا عن الطريقة المدرسانية في حل عقدة الحبكة، هذا لأنه يحترم عقل الطفل ويسير معه في اتجاه المخيال المركب للغة. رغم كل ذلك وعندما تمسك هذا الكتاب لا يمكنك سوى أن تتساءل هل للطفل أن يستوعب فكرة تقوم على الاستعارات والترميز؟
(في عمق الغابة) هي قصة لأنتوني براون عن هذا الصبي الذي اختفى والده فجأة في ظروف غامضة وتعاملت أمه بسلبية مع الحدث، في اليوم التالي طلبت منه أن يحمل معه سلة الكعك إلى بيت جدته في الغابة، هناك طريقان، طريق آمن طويل وطريق الغابة القصير والمليء بالمخاطر.
في حركة تمرد رفض نصيحة والدته واختار طريق الغابة ليبدأ الصبي رحلة تشافي سوريالية في هذه الغابة الموحشة، إن وعيه يتشافى من حالة الفقد لوالده فيعبر بين الأشجار عبورا سيكولوجيا عبر مخاوفه الشخصية، تتجسد مخاوفه في كل شخصيات قصص الفلكلور الغربي للأطفال التي يقابلها في الطريق من جاك والفاصوليا إلى هانزل ورجتل وغيرها، كيف تعامل الصبي مع الشخصيات المنثورة في غابة موحشة توصله إلى بيت جدته؟ منتهى الغموض السيكولوجي الذي لا تستطيع القبض عليه بفكرة تصمد للتأويل، أليس هذا الغموض هو المكون الأبرز لنفسياتنا عند الفقد؟
الغابة يتناثر فيها حذاء سندريلا وقلعة رابونزل والدببة الثلاثة بين ظلال الأشجار المرعبة. هذا التناثر «للأشياء» ذات القيمة الرمزية والتي كانت في يوم ما ذات صوت واضح في سياقها المناسب داخل قصة شهيرة توارثتها الأجيال، هذا التناثر في ذاته فكرة في غاية الطيش والتمرد، إنه يعطي شعورا بالتبعثر والشرود الذي يشعر به الصبي.
كل ما في الغابة يتلون بدرجات الأسود والظلال معقدة وداكنة عدا لون الصبي ربما ليجعلك تصنع هذا الفرق بين الصبي وخياله. لكن شيئا آخر يتلون في القصة حين يجد الصبي رداء ليلى الحمراء، يرتدي الأحمر ويصبغ بقوته، يتشجع ويمضي قدما نحو كوخ الجدة.
رغم أن القصة بشكل عام تتقمص أجواء الفكرة الرئيسية لقصة ليلى الحمراء، إلا أن الذئب هذه المرة ليس سوى خيال الصبي وأفكاره السوداء التي تتراكم لآخر صفحة، فكرة فوق فكرة ورمز يعقد رمزا آخر حتى تنتهي نهاية قاطعة وبسيطة تتمثل في ابتسامة الجدة وحضور الأب الذي ينهي كل الأحزان.
هل لا بد حقا أن نعبر غابة مخاوفنا بشجاعة حتى نصل إلى كوخ الأمان؟ هذا التساؤل هو الجوهر المعنوي للنص، لن تجده مكتوبا كما لو أن النص كان ينتمي للحقبة السابقة في اتجاهات أدب الطفل، لكنك ستشعر به بين طيات الأفكار المنثورة هنا وهناك ويبقى الجهد الأكبر على المتلقي لفك الرمز واستقبال رسالته أو تساؤله ذي الحس الفلسفي العميق.
طفل القرن العشرين أكثر تعقيدا من الطفل البسيط الذي عاش حياته كمتلق سلبي من المعلم والأهل والقاص أو الحكواتي، وطفل اليوم يفوقهم تعقيدا مع دخول قوقل وعالم الانترنت لدرجة تجعلنا نتساءل أحيانا عن الحد الفاصل بشكل دقيق بين البالغ والصغير.
كان لا بد لأدب الطفل أيضا أن يواكب هذه التغيرات في مفهوم الطفولة وأن يغير خطابه. كثير من التوجهات في أدب الطفولة الحديث صارت لا تفرق حقيقة في نصوصها عن التراكيب الأدبية التي تكسر الحدود الفاصلة وتناسب الصغار والكبار معا على حد سواء. أنتوني براون أحد هؤلاء الكتاب المعاصرين وله مجموعة كبيرة من القصص المرسومة، تشتهر أعماله بالنصوص المركبة والصور السوريالية وتبتعد أميالا عن الطريقة المدرسانية في حل عقدة الحبكة، هذا لأنه يحترم عقل الطفل ويسير معه في اتجاه المخيال المركب للغة. رغم كل ذلك وعندما تمسك هذا الكتاب لا يمكنك سوى أن تتساءل هل للطفل أن يستوعب فكرة تقوم على الاستعارات والترميز؟
(في عمق الغابة) هي قصة لأنتوني براون عن هذا الصبي الذي اختفى والده فجأة في ظروف غامضة وتعاملت أمه بسلبية مع الحدث، في اليوم التالي طلبت منه أن يحمل معه سلة الكعك إلى بيت جدته في الغابة، هناك طريقان، طريق آمن طويل وطريق الغابة القصير والمليء بالمخاطر.
في حركة تمرد رفض نصيحة والدته واختار طريق الغابة ليبدأ الصبي رحلة تشافي سوريالية في هذه الغابة الموحشة، إن وعيه يتشافى من حالة الفقد لوالده فيعبر بين الأشجار عبورا سيكولوجيا عبر مخاوفه الشخصية، تتجسد مخاوفه في كل شخصيات قصص الفلكلور الغربي للأطفال التي يقابلها في الطريق من جاك والفاصوليا إلى هانزل ورجتل وغيرها، كيف تعامل الصبي مع الشخصيات المنثورة في غابة موحشة توصله إلى بيت جدته؟ منتهى الغموض السيكولوجي الذي لا تستطيع القبض عليه بفكرة تصمد للتأويل، أليس هذا الغموض هو المكون الأبرز لنفسياتنا عند الفقد؟
الغابة يتناثر فيها حذاء سندريلا وقلعة رابونزل والدببة الثلاثة بين ظلال الأشجار المرعبة. هذا التناثر «للأشياء» ذات القيمة الرمزية والتي كانت في يوم ما ذات صوت واضح في سياقها المناسب داخل قصة شهيرة توارثتها الأجيال، هذا التناثر في ذاته فكرة في غاية الطيش والتمرد، إنه يعطي شعورا بالتبعثر والشرود الذي يشعر به الصبي.
كل ما في الغابة يتلون بدرجات الأسود والظلال معقدة وداكنة عدا لون الصبي ربما ليجعلك تصنع هذا الفرق بين الصبي وخياله. لكن شيئا آخر يتلون في القصة حين يجد الصبي رداء ليلى الحمراء، يرتدي الأحمر ويصبغ بقوته، يتشجع ويمضي قدما نحو كوخ الجدة.
رغم أن القصة بشكل عام تتقمص أجواء الفكرة الرئيسية لقصة ليلى الحمراء، إلا أن الذئب هذه المرة ليس سوى خيال الصبي وأفكاره السوداء التي تتراكم لآخر صفحة، فكرة فوق فكرة ورمز يعقد رمزا آخر حتى تنتهي نهاية قاطعة وبسيطة تتمثل في ابتسامة الجدة وحضور الأب الذي ينهي كل الأحزان.
هل لا بد حقا أن نعبر غابة مخاوفنا بشجاعة حتى نصل إلى كوخ الأمان؟ هذا التساؤل هو الجوهر المعنوي للنص، لن تجده مكتوبا كما لو أن النص كان ينتمي للحقبة السابقة في اتجاهات أدب الطفل، لكنك ستشعر به بين طيات الأفكار المنثورة هنا وهناك ويبقى الجهد الأكبر على المتلقي لفك الرمز واستقبال رسالته أو تساؤله ذي الحس الفلسفي العميق.