الرأي

انسحاب اضطراري

مانع اليامي
طبيعة الحياة تفرض الكثير من المفاجآت، وكذلك الكثير من الصدمات والمواقف الغريبة، وفي المقابل لا تخلو دورة الحياة ذاتها من تعدد الإيجابيات وتنوعها. في كل الأحوال المجتمع يسهم في تشكيل الصورة من هذا وذاك، ويبقى من الصعوبة بمكان أن يعيش المرء بمعزل عن مجتمعه مثلما هي الصعوبة في نجاة الفرد من سطوة تأثيرات المجتمع.

أحاول منذ فترة أن أفهم ولو بالقدر اليسير سبب استمرار ارتباط البعض بالمغالطات والجنوح إلى المزايدات في جل المسائل، رغم أن في نهايات غالبية المواقف وضوحا لهشاشة البنية المعرفية، أو ضعفا في البنية الاجتماعية، كما هي صورة بعضهم في مرآة المجتمع- مجتمعهم الذي ينتمون إليه- والضعف هنا وصف مهذب لحالة معقدة ويمكن اعتباره «الوسم» المتعارف عليه في قناعات كثير من العامة للدلالة الصريحة على الدرجة المكانية لبعض مكونات المجتمع نفسه. على الطرف الآخر أحاول دائما أن أفهم وجهة نظر البقية المتسمرة أمام المشهد. ليس من السهل الحصول على خلاصة آراء تساعد على تفسير ما يجري على الأرض.

الصعوبة هي وبكل صراحة في محاولة فهم البقية «مطبخ الوسم» على بينة، فبرغم التمسك بالوسم والتسويق لاستعماله إلا أن هذه الأطراف التي صنعت الوسم -أو لنقل ورثته- متسمرة في الساحة على حالها المعهود، تصفق من الداخل وتروج للمغالطات والمزايدات وتصدرها من بوابة السكوت المطلة على الخارج في إشارة لحالة الهروب من الموقف الذي تتبناه أصلا وتتعثر هي على أعتابه.

الخلاصة أن أنواع المغالطات مثلها مثل المزايدات كثيرة، منها ما ظهر ومنها ما زال يتحرك بعيدا عن الأضواء أو الاهتمام إذا جاز القول، وقد أتيت بشأنها هنا بلا إيجاز يحميها أو تفصيل يعريها عنوة لسهولة اختراق حدود المقصود لمن أراد من الشهود على العصر.

الشاهد في الختام، أن المجتمعات التي تصغي للمغالطات وتعتمد العيش بموجبها ومنها التاريخية لا بد ورغما عن أنفها أن تخضع يوما لوقع تصحيح الوضع، أو تقبل بمغالطات تاريخية مضادة، تقلبها على وجهها لأنها ببساطة سمحت بتأسيس المغالطات وشاركت في بنائها بل وسوقت لها، ومن الطبيعي أن يأتي يوم ترد فيه البضاعة إليها.

أيضا المجتمعات التي تصطف خلف المزايدات ومنها المذهبية أو الطائفية مثلا، لا بد يوما أن تنسحب اضطراريا من المشهد إما مرغمة أمام تدفق الوعي المجتمعي وقدرته على تخطي حواجز الممنوع من الفهم، وإما أمام خطورة تشدد المواجهات وكثافة نيران المزايدات. عموما المجتمع في حاجة إلى مراجعة نفسه وإعادة ترتيب بيته، هذا وبكم يتجدد اللقاء.