الرأي

غياب أخلاقيات التسويق.. واستغلال القضايا الاجتماعية

محمد العوفي
لكل مهنة أخلاقيات يلتزم بها المنتمون لها، ولا يقبلون التنازل عنها، أو المساس بها أو الإساءة لها أيا كانت المبررات والظروف، والتسويق واحد من هذه المهن التي

لا ترتبط أخلاقياتها بسقف النظم والحريات المتاح في السوق، وكثيرا من الدراسات المتخصصة ترى أنه يجب أن يكون لكل شركة مسؤولية أخلاقية تلتزم بها عند اتخاذ القرارات التسويقية بغض النظر عما يجيزه النظام أو يمنعه، وتقع هذه المسؤولية على الشركة نفسها والأشخاص المسؤولين فيها، وبالتالي فإن استغلال الظروف والقضايا الاجتماعية لتمرير فكرة معينة أو تسويق منتج معين أو حتى تسويق الشركة لنفسها كمساهم في المسؤولية المجتمعية بطريقة بشعة تخرج عن هذه الأخلاقيات، وتسيء لها بغض النظر ما إذا كان النظام يجيزها أو لا.

استغلال بعض الشركات والمؤسسات لحوادث اجتماعية معينة لتسويق منتجاتها أو الدعاية لنفسها بدأ يتنشر بشكل كبير مع الإعلام الجديد «social media» بصورة تجاوزت وتعدت أخلاقيات المهنة بشكل فج وقبيح لا يمكن الصمت حياله، أو القبول به تحت أي مسمى كان، وبدأ البعض يبررها على أنها أحد جوانب المسؤولية الاجتماعية التي تقوم وتلتزم بها الشركة رغم الفرق الكبير بينهما.

وللدلالة على غياب أخلاقيات التسويق لدى بعض شركاتنا، يكفي أن تعود إلى موقفين متقاربتين زمنيا، ومتباعدتين سلوكيا، الموقف الأول موقف حارس المدرسة الابتدائية 373 بالرياض المواطن/ عبدالله بن عبدالرحمن آل مهنا، والذي كان يقوم بوظيفته بكل أمانة وتفان وإخلاص، الموقف الثاني موقف «العم معيض». هذان الموقفان وصل عدد التغريدات على الهاشتاق الخاص بهما إلى مراتب متقدمة في الترند العالمي، ويعني ذلك أن عدد من شارك في هذا الهاشتاق سواء كان تغريدا أو إعادة تغريدات الآخرين وصل إلى مئات الآلاف، وأن هذه التغريدات تحظى بتفاعل أكبر لساعات طوال، ولذلك وجدت بعض الشركات أن هذا الهاشتاق أو التغريدات فرصة مجانية لتسويق منتجاتها أو تسويقها نفسها لأكبر عدد من العملاء دون أن يكلفها ذلك آلاف الريالات كما هو الحال عند الإعلان في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة، هذه الشركات لم تكتف بالدعاية لنفسها فقط، بل بعض منها قدم وعودا لدعم هؤلاء الأشخاص، ولم تف بما وعدت به.

هذان الموقفان يعكسان غياب ميثاق أخلاقيات التسويق لدى هذه الشركات، أو أن مسؤولي التسويق في تلك الشركات يفتقدون لأبجديات أخلاقيات المهنة، وأن ما يهم هذه الشركات تسويق نفسها ومنتجاتها لأكبر شريحة من العملاء بغض النظر عما إذا كانت هذه الطريقة تتعارض مع أخلاقيات التسويق أو لا، فهي لم تعد تفرق بين المواقف الإيجابية أو السلبية التي يجرمها النظام ما دامت وصلت إلى الترند، كما أنها كشفت جوانب جديدة تتعلق بتغيير استراتيجية الشركات التسويقية نحو الإعلام الجديد «social media» لاستغلال القضايا الاجتماعية لتسويق منتجاتها.

كل ما ذكر حول غياب أخلاقيات التسويق حضر في موقف «العم معيض» بشكل فج، حيث قامت كثير من الشركات بالدعاية لنفسها ولمنتجاتها بتقديم مساعدات ودعم له وللأطفال، فهذه الشركات ارتكبت ثلاثة مخالفات:

أولا: ما قامت به من تسويق عروضهم التجارية لحالات العنف هو استغلال لقضايا الطفولة، ويتنافى مع ما تنص عليه الأنظمة من حفظ حقوق الطفل وفقا لما ذكرته الشؤون الاجتماعية، ويعني ذلك أن الشركات خالفت الأنظمة التي تجرم العنف ضد الأطفال.

ثانيا: عدم التزامها بميثاق أخلاقيات التسويق الذي يمنع ضمنيا استغلال القضايا الاجتماعية وتوظيفيها تسويقيا لصالح منتجاتها، وتقع هذه المسؤولية على هذه الشركات نفسها والأشخاص المسؤولين فيها.

ثالثا: لم تف هذه الشركات بما وعدت به في إعلانها التسويقي بدعم أو تقديم المساعدة، فالعم معيض يؤكد أنه لم يتسلم أي «جائزة» من الشركات والمؤسسات مختلفة النشاطات التي أعلنت عن تقديمها، وقد يفسر ذلك بأن الشركات اكتشفت خطأها القانوني والأخلاقي وتراجعت عن ذلك، أو قامت بذلك من باب الدعاية التي قد تعرضها للملاحقة القانونية.

زبدة القول، إن ما قامت به هذه الشركات أيا كان مبرره

لا يتوافق مع الأنظمة الحكومية، ولا أخلاقيات التسويق، ولا تنطبق عليه مساهمات المسؤولية الاجتماعية، وأن المجتمع بحاجة لإيقاف هذا الجشع المادي اللاأخلاقي قبل أن يتحول لداء يتاجر بقضايانا الاجتماعية.

alofi.m@makkahnp.com