العالم

هل أثرت وعود أوباما الانتخابية على سياسته؟

وصل الرئيس أوباما إلى الرئاسة وفي جعبته وعود بفتح صفحة جديدة، وإغلاق فصل من التاريخ الأمريكي شهد حربين في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

وبحسب معهد بروكنجز الأمريكي، فإن تمسك أوباما بتنفيذ هذا الوعد يثير الإعجاب، وهو نتيجة الدروس التي تعلمها من أخطاء الرؤساء الذين سبقوه، وحاول أن يتجنبها، والتي تتعلق باستخدام القوة العسكرية الأمريكية في الخارج. لكن المفارقة هي أن إصراره على إغلاق هذا الفصل قاده إلى اتخاذ قرارات فتحت فصلا جديدا يشبه سابقاته إلى حد بعيد. ويمكن أن تعزى أسباب هذه الحرب الجديدة ضد داعش، أي حرب أوباما، التي بدأت في أغسطس 2014 إلى خطأين في التقدير. تكشف مقابلة جيفري جولدبيرج حول «عقيدة أوباما» أن هذين الخطأين نجما عن إصرار الرئيس على المحافظة على وعوده للشعب الأمريكي وتجنب أخطاء الماضي.

الخطأ الأول كان انسحاب أوباما من العراق، وهذا لا يعني سحب القوات العسكرية الأمريكية فحسب، بل تراجع الزخم والنفوذ الدبلوماسي، اللذين لو استخدما بالشكل الصحيح لجعلا وقع انهيار التجربة السياسية العراقية أخف، وكبحا بالتالي صعود داعش. وبعد إجراء الانتخابات في العراق في 2010 (قبل الانسحاب الأمريكي)، قررت إدارة أوباما اتباع نهج عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للعراق، لكنها لم تنجح في إيجاد بديل للحضور العسكري الأمريكي هناك بمجموعة صلبة من الشراكات المدنية والاقتصادية وغيرها للمحافظة على النفوذ الأمريكي. إذ إن في 2011 خطط لتخفيض حاد في عدد البرامج المدنية المخصصة للعراق يتماشى مع تخفيض الوجود العسكري. وخلال السنتين التاليتين، خفضت المساعدات الاقتصادية للعراق إلى نحو 50%.

وحصلت الإدارة على إنذار مبكر حول الضرر الذي كان يتسبب به سلوك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الطائفي المتعطش للسلطة، على أمن العراق واستقراره. لكن الرئيس ونائبه بايدن الذي كان يدير الملف العراقي بالنيابة عن أوباما، اختارا ألا يفعلا الكثير لكبح جماح المالكي حين بدأ يفسخ الصفقات السياسية المبدئية المبرمة بين السنة والشيعة والأكراد ضمن العراق الفيدرالي.

استنكار

استنكر شركاء أمريكا الإقليميون ازدياد النفوذ الإيراني في الوقت الذي تراجعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، وخافوا أن تؤجج الخطوات التي أخذها المالكي ضد السياسيين السنة العنف الطائفي، لكن البيت الأبيض تجاهل مخاوفهم في العراق وسوريا. وفي الوقت الذي بدأت فيه داعش تحقق نجاحات بين صفوف السكان السنة المنشقين عن الحكومة المركزية، لم ترَ الإدارة أي سبب يدعوها للاستثمار في إقناع المالكي بضرورة تسوية سياسية من شأنها تهدئة المقاتلين العراقيين السنة ولم شمل العراقيين من جديد. وهذا لا يعني أن أوباما كان سينجح في محاولته، ولكن لأنه أراد طي صفحة التجربة العراقية، فلم يحاول.

الفشل في تعلم الدروس

كذلك، أظهرت قراءة أوباما للصراع السوري، التي افترضت أن آثار هذا الصراع ستكون محدودة على المصالح الأمريكية، الفشل في تعلم الدروس من التسعينيات وإدراك الخطر من أن تمتد الحرب الأهلية السورية بأشكال تؤثر مباشرة على المصالح الأمريكية. وفي 2012 و2013، لم يكن الأمر يتطلب بصيرة خاصة لتطبيق دروس أخرى من التاريخ على الحالة السورية غير تلك الدروس التي ركز عليها أوباما. فتجربة التسعينيات أظهرت بوضوح كيف أن إهمال حرب أهلية قدمت فرصة سهلة لظهور حركات إرهابية عنيفة -تماما كما فعلت الحرب الأفغانية لطالبان في أواسط التسعينيات- وأن التدفق الكبير للاجئين سيترك آثاره السلبية على استقرار جيران سوريا، ومنهم شركاء لأمريكا في الأمن مثل الأردن وتركيا. واستغل داعش الفراغ الأمني والحكومي الذي أنتجته الحرب الأهلية السورية لترسيخ قاعدة مالية وجغرافية لها تحاول واشنطن منذ نهاية 2014 تقويضها دون نجاح يذكر.

هذان الخطآن في الفهم والتقدير الناتجان عن التزام الرئيس بتجنب أخطاء سلفه، تركا عددا من المخاطر الكبرى على الأمن الإقليمي دون معالجة، وغذيا بالتالي تنامي تهديد داعش لدرجة أجبرت أوباما في أغسطس 2014 على قلب خياراته الراسخة وإرسال جنود وأسلحة أمريكية لمحاربة المتطرفين الإسلاميين على الأرض في العراق، والآن في سوريا. هذا وقد دفعت أخطاؤه (ناهيك عن تنازله عن «الخط الأحمر») الشركاء الإقليميين القلقين إلى أخذ مبادرات خاصة بهم للحفاظ على مصالحهم التي شعروا أن أوباما يتجاهلها.

ووفقا للمعهد، فإن أوباما خاف من الانزلاق إلى حرب ضد بشار الأسد، لكن الحرب ضد داعش هي المنزلق الأخطر. في خلال أقل من عامين، انتقلت الإدارة من الضربات الجوية إلى إرسال أكثر من 475 مستشارا عسكريا إضافيا إلى العراق وأكثر من 4,000 مقاتل من القوات البرية شملت قوات العمليات الخاصة في كل من العراق وسوريا. وفي نفس الوقت، أجبر تهديد داعش المنتشر أوباما على إصدار أوامر بتنفيذ ضربات جوية محدودة في ليبيا، وعلى التفكير في وضع خطط تشمل مزيدا من التدخل العسكري هناك، وبناء التزامات عسكرية مع الدول العربية السنية في الخليج– الخطوتان الأخيرتان، إذا كانت مقالة جولديبرج دقيقة، يفعلهما الرئيس ضد قناعاته الشخصية. وها هو الرئيس الأمريكي الذي رفض في مايو 2013 شعار «حرب عالمية ضد الإرهاب» قد شن واحدة الآن.

تقاطع مصالح

إن الهوة الواسعة التي تفصل بين إصرار أوباما على هزيمة داعش وتركيز شركائه الإقليميين على إبعاد إيران والأسد، تعني، برأي المعهد، أن أمريكا وجدت نفسها مع عدد قليل من الشركاء يشاركونها عبء هذه المعركة، التي يطلق عليها الجنرالات الأمريكيون الآن اسم «صراع يستمر أجيالا». يسعى أصدقاء أمريكا الإقليميون للدفاع عن مصالحهم التي لا تنسجم دائما مع المصالح الأمريكية. إن عجز أوباما الواضح عن رؤية الصراعات بين سياسته في سوريا وسياسته ضد داعش، وتحفظه عن مواصلة العمل اللازم لمناقشة الأولويات المشتركة مع عرب الخليج وتركيا وإسرائيل، تمخض عن مشكلة أكثر تكلفة، وأصعب على الحل من المشاكل البسيطة التي كان يتذمر منها.

أخطاء أمريكية

- الانسحاب من العراق

- عدم كبح جماح السلوك الطائفي لنوري المالكي

- الرؤية المحدودة للصراع السوري