الرأي

الليبرالية

u0625u0628u0631u0627u0647u064au0645 u0639u0628u0627u0633 u0646u062au0648
كثيرا ما يتداول لفظ «الليبرالية»، وفي أكثر من حدب وصوب. وواضح أنها كلمة إفرنجية أصلا وفصلا، لكن ذلك لم يمنع القاصي والداني من التعامل معها، والتلاوك بها، والتفيقه فيها من قريب أو بعيد.

لقد تكاثرت التعبيرات وشابها كثير من الشوائب.. بل يتمادى البعض بوصم لفظة وفكرة «الليبرالية».. بأوصاف باهتة وتهم باطلة.. ومن ذلك أنها مناهضة للدين أو التدين.. وهذا أبعد ما يكون عن فكرة الليبرالية الحقة.. فمن أعمدتها الثابتة ليس فقط حرية العقيدة.. بل واجب صونها وحماية معتقديها (بشرط واحد هو ضمان نفس الحرية للجميع، سواء بسواء).

أصل اللفظة يأتي من «الحرية»، ليبرتي «Liberty»، كما في مسمى «تمثال الحرية» الشهير.

فمن الحرية جاءت لفظة «ليبرالي»، و»الليبرالي» هو الشخص «الحر» المنطلق المحلق في الآفاق من ناحية، وهو المتعايش/ المتسامح مع الآخر/ الآخرين من ناحية أخرى.

ولقد تعددت معاني «ليبرال»، وتلونت لفظة وفكرة «الليبرالية»، وتشكلت فأتت في مساقات وسياقات متنوعة بل ومتغايرة وأحيانا متنافرة، سواء أكان في مساق المجالات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، أو حتى في السلوك الشخصي العام.

أما المعني المستخدم (في هذا المقال) والذي أود تسليط الضوء عليه وأن أذود عنه، فهو: الليبرالي، بمعنى الشخص (غير المتعصب)، غير المنغلق على الرأي الواحد والحل اللي ما بعده!، بل هو الذي تجده متسامحا مع الاختلاف، متعايشا وصبورا مع معارضي وجهة نظره، متحررا من ربقة التنميط التقليدي، متقبلا للنظر خارج الصندوق الضيق، بل فيما وراء حتى «النمذاج= النموذج الكبير/ الپارادايم»، وهو الذي يأتي مفعما بالشمولية، مزودا بالعلمية، مصطبغا بالمنطقية، ومثبتا بعماد الموضوعية.

فالليبرالي الحق يترك ولو فرجة لضوء مختلف ومصدر مغاير.. ولا يقذف به جانبا.. من أول وهلة، بل يمحصه في بوتقة الانصهار ويدخله أنبوب الاختبار ويمرره على منشور الطيف ويقيسه بأكثر من مسبار.

وتجد «الليبرالي المتمكن» لا يتلقف الموضوعات/ الموروثات كمسلمات، ولا يسلـم بالمقولات التقليدية كأنماط، فضلا عنها كمعتقدات، بل تجده سائلا شغفا، متسائلا شغوفا.

كما نجد الليبرالي مؤيدا ومتمسكا بالنمط الديمقراطي في القيادة والإدارة، العامة والخاصة ومشجعا للإصلاح والتطوير الاجتماعي، وداعيا للتحرر من أغلال ومعوقات التنمية ومن مثبطات الإبداع والاستقلال.

ولتجدن الليبرالي الحق ساعيا لتطبيقات الفكر المستنير، مؤيدا للإصلاحات بمختلف نطاقاتها، القضائية والجنائية، وحماية كل الأقليات والمكونات الاجتماعية، كما يحرص الليبرالي على تعميم هذا الموقف الودي والتعايشي الإيجابي ليشمل مجالات حقوق الإنسان لكل الفئات.. بما فيها الطفل والبيئة، وكذلك الرفق بالحيوان.. وبكل الكائنات.

وفي الاقتصاد، مثلا، فالواجب تمكين الفرد، الجماعة، والمؤسسة من الخوض في التنافس الحر في الدوائر الربحية الممكنة والمتاحة في ظل القانون العام، مع السماح لهذا وذاك وأولئك بولوج أوسع دوائر الإبداع والمجاسرة، ومع تشجيع وحماية المبتدئين من الشباب وغيرهم في مختلف المؤسسات المتوسطة والصغيرة..

وذلك بالتوازي مع صون الحق الشايع العام للخدمات الأساسية والملكية العامة السيادية في مثل ما يشار إليه تراثيا من فضاء النطاق العام كالماء والهواء و»الكلأ» وغيره.. لحماية الثروة العامة والمقومات الأساسية للبيئة المشتركة، بالجمع بين الحراك الاقتصادي بالتنافس الحر في القطاع الخاص، ومع حماية الناس بعامة والبسطاء بخاصة.. ضمن «الحق العام».

وفي المجال الفكري، فيؤيد الليبرالي تمكين الناس بعامة، والكتاب والمنظرين والفقهاء والمعلمين الصحفيين بخاصة، من الانطلاق في مجالاتهم،مع تأمين الحصانة الفكرية لأساتذة الجامعات وبقية الباحثين ومع ضمان حق البحث والتأليف والنشر وحماية براءات الاختراع.

فالليبرالي يؤمن إيمانا قويا راسخا بالتعددية بمختلف وجهاتها، وهو يحترم العقائد المختلفة والمذاهب المتنوعة ويقدس إطار العدالة والمساواة العامة للجميع أمام القانون ومعاملة الناس جميعا فعلا على أنهم «سواسية»، وبالطبع يهدف لتمكين المرأة ويؤكد على مساواتها، ويصدح بأن النساء «شقائق» الرجال!