الرأي

يا وزارة التعليم.. هل يستقيم الظل والعود أعوج؟

أحمد الهلالي
سرني ما كتبه وزير التعليم في مقالته في صحيفة الحياة، فالاعتراف بالمشاكل هو بداية الحل، واعتراف الوزير بضعف المخرجات الجامعية الموجهة إلى التعليم، وضعف مخرجات التعليم العام، وكلال تعليمنا عن مواجهة تحديات العصر، وغيرها من الاعترافات المضيئة التي توجب اتفاق كل المتماسين مع التعليم في بلادنا بشقيه العام والعالي عليها، ولن أناقش كل تلك الاعترافات بل ستكون مقالتي مركزة على اللائحة السلوكية وعقد الشراكة بين المدرسة والأسرة والمجتمع.

كانت الجملة الشهيرة لضبط الطلاب وتقويم سلوكهم أن يقول الأب (لكم اللحم ولنا العظم)، وكانت إدارات المدارس تتباهى بتعليق (الخيزرانات) وأنواع العصي لجلد المخالفين أمام زملائهم في الطابور وفي الصلاة وأمام الصف، وكان هذا على قسوته وبشاعته حلا، لكن حين قضت اللوائح بمنع الضرب كان لا بد أن تضع الوزارة بديلا للعقاب البدني يتجه إلى تحسيس الطالب بالمسؤولية والعواقب التي تترتب على سلوكه الخاطئ، لكن كيف يستشعر الطالب حسم درجة أو درجتين أو استدعاء ولي الأمر، وفي نهاية العام ينجح بتقدير وتذيل الشهادة بدرجة السلوك والمواظبة كاملة، بالواسطة أو بالرحمة أو بحجة (فكونا منه) اكتفاء لشر الطالب الوقح أو المتنمر أو اللامبالي.

لعل العاملين في حقل التعليم يدركون جيدا تدني سلوك الكثير من الطلاب، واللا مبالاتهم بأنظمة المدرسة، تمتد تلك اللامبالاة إلى أنظمة المجتمع عامة، إذ يتخرج الطالب من المرحلة الثانوية بسلوك مضطرب، وينخرط في التعليم العالي بذات السلوك، وإن تهذب بعض الشيء إلا أن الفوضوية واللامبالاة ترافق الكثيرين حتى تصل مراكزهم الوظيفية مستقبلا، والسبب في نظري يكمن في لائحة السلوك المعتمدة في مدارسنا، وغفلة المربين عن تقديم السلوك والخلق الفاضل على العلم الذي يتلقاه الطالب.

إن اللائحة السلوكية اليوم تناسب مرحلة بدايات التعليم حين كان بعض الآباء لا يبادر إلى تعليم أبنائه وبناته، فهي تفترض في جميع الطلاب الحرص، وحسن السلوك داخل المنشأة التعليمية، وهذا الافتراض ينطبق على شريحة واسعة من الطلاب، لكن هناك فئة منهم لا تكترث بكل بنود تلك اللائحة بدءا من الإنذارات الشفهية وحسم بعض الدرجات ووصولا إلى الفصل لمدة أسبوع، وهذه الشريحة تحتاج إلى صياغة لائحة جادة وصارمة لا تقبل المساومة على الخلق الفاضل للطالب في مؤسسات التعليم.

أيضا نلاحظ من مدة عجز وزارة التعليم عن سن أنظمة تقضي على ظاهرة (الأسابيع الميتة) ولو أحصينا تلك الأسابيع لوجدناها تقارب الإجازات التي فتن بها الطلاب، فكل إجازة رسمية يسبقها أسبوع ميت ويعقبها أسبوع أيضا، حتى باتت سنة لا اعتراض عليها، وقد أعجبني اعتراف الوزير بضلوع المدارس في تكريس هذه الثقافة، فمن تلميحات بعض المعلمين التي تأتي بأساليب مختلفة تقترب وتبتعد عن المباشرة خشية المسؤولية الشكلية أحيانا، إلى بعض إدارات المدارس التي تتعمد تقديم اختبارات الفترة قبل الأسبوع الأخير من الدراسة، في إيعاز للطلاب بأسبوعهم (المقتول) لأنه لا يحوي شيئا مهما، فكأنهم ناولوهم سكين نحره حتى أجهزوا عليه وسيجهزون على الأسبوع الذي يعقب الإجازة لغياب الكتب، تحفهم تهديدات بحسم اليوم بيومين، وكم سيكون حسم اليوم؟ (ربع درجة؟) فهل يفكّر بعض طلابنا في خمس درجات حتى تهددهم بربع أو نصف درجة؟ ثم في نهاية الفصل سيكتشف الطالب أن التهديد (فالصو)!!

لا ألوم أولياء الأمور حين يعذرون أبناءهم في غياب الأسبوع (المقتول)، فحين يجبر ولي الأمر ابنه على الحضور، يحضر فيجد المدرسة خاوية إلا منه ومن الحريصين وتتعمد بعض المدارس حبسهم داخل أبنيتها إلى الحصة الخامسة ربما دون تدريس، وحين يطلبون الخروج يصطدمون بعبارة (من قال لك تعال؟!)، والأمر الآخر يخشى بعض أولياء الأمور على ابنه حين يعلم أن الطلاب غائبون، فربما يكون إجباره وبالا، يعرضه لخطر المنفلتين من مراحل عليا بسياراتهم، أو يرافقهم فيصيبه مكروه لا سمح الله، لذا سيكون بيت أبيه أولى به من الشوارع.

وعلى ما سبق أقترح بناء لائحة جديدة للسلوك والمواظبة، وأن تخصص درجات السلوك والمواظبة ابتداء من الصفوف العليا في المرحلة الابتدائية لتكون 100 درجة بيد الإدارة أو مجلس المدرسة أو تسند إلى المرشد الطلابي، تحسم منها كل مخالفة سلوكية يقوم بها الطالب سواء أكانت داخل الصف أم في فناء المدرسة أم أثناء حضور أو انصراف الطلاب، تدار بصرامة أكثر من المواد الأخرى فإن لم يحقق الطالب 75% من الدرجة يعيد السنة الدراسية قسرا (فالسلوك قبل العلم)، ولا مجال للفصل حتى لا يرهق أسرته والمجتمع، بل سنضمن تهذيبه بأنظمة لها هيبة واحترام، لائحتها معلنة له ولأسرته ستنعكس إيجابا على الطالب والمدرسة والمجتمع.