الرأي

الشؤون الاجتماعية.. برامج إنمائية معطلة

محمد العوفي
سهام النقد التي طالت تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية من قبل أعضاء مجلس الشورى هذا الأسبوع، لضعف دورها وافتقادها للبعد الاستراتيجي في معالجة القضايا والملفات المعنية بها، يستحق التوقف عندها طويلا، ويمكن اعتبارها خارطة طريق للوزارة لتغيير استراتيجيتها من النمط التقليدي إلى التفكير الإنمائي.

فالوزارة رغم تعاقب عدد من الوزراء على قيادتها، استمرت في النمط التقليدي الذي ينتهج «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، فهي تصرف ما يأتيها من أموال الزكاة والدعم الحكومي على شكل إعانات وبرامج إغاثية ينتهي مفعولها بمجرد صرفها، لتتوقف الحياة بعد ذلك بانتظار الدفع التالية.. وهكذا، في حين أن دورها يتجاوز ذلك إلى تقديم برامج إنمائية تحقق الاستقرار الاجتماعي للمجتمع بكل فئاته، ووقايته من عوامل الضعف والتفكك كالفقر وغيره.

ما أورده عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الجغيمان في مداخلته على تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية وفقا لما نقلته صحيفة عكاظ، يعد تشخيصا ووصفة مجانية لعلاج الخلل في إدارة ملف الإعانات، فهو يرى أن الوزارة استمرت على النمط التقليدي في «توزيع الإعانات وتوفير الإيواء للمحتاجين دون أن يكون لها تقدم ملموس وتخطيط عملي في تخفيض أعداد المستفيدين، وليس بزيادتهم».

وأضاف «أن الوزارة تعمل على توزيع إعانات لا تغني ولا تسمن من جوع، وتوفر إيواء لمن هم في حاجة إليه، وكأنها تعمل على المحافظة على استمرار حاجة الفقراء من خلال تقديم برامج إغاثية لا إنمائية، وأتمنى أن تفاجئني الوزارة وتثبت لي العكس بالدلائل العلمية لا الكلام النظري، إذ نلاحظ أن هناك أرقاما تشير إلى زيادة أعداد المستفيدين، وهذا في ظني مؤشر غير جيد تجاه عمل الوزارة، والأصل أن تسهم في تخفيض عدد المستفيدين لا أن تفاخر بزيادتهم».

وبالعودة إلى الأهداف العامة لوزارة الشؤون الاجتماعية نلاحظ أن ما تقوم به الوزارة ينحصر في الهدف الثاني فقط، وهو تقديم المساعدات المالية والعينية لذوي الدخول المنخفضة، فيما لم تفعَل أو تقوم بما يجب تجاه الأهداف الثلاثة المتبقية: المشاركة في برامج التنمية الشاملة في المجتمع السعودي، والتحسين البيئي لمساكن الأسر المحتاج، وتحويل شريحة المستفيدين من شريحة متلقية للمساعدات إلى منتجة معتمدة على نفسها عبر البرامج الإنتاجية.

وعند مقارنة ما خصص لهذه البرامج خصوصا ما يتعلق بالهدف الرابع نجده لا يزال ضعيفا مقارنة بحجم الإعانات المادية والعينية التي تقدمها، في حين أنه يفترض أن يمنح أولوية كونه الطريق الأفضل لمكافحة الفقر، ورفع المستوى المعيشي للأسر.

ومشكلة وزارة الشؤون الاجتماعية، هي مشكلة كل الوزارات دون استثناء - تعاني من خلل كبير في غياب التخطيط الاستراتيجي، وترتيب الأولويات، فأولوية الوزارة قياسا على ما ورد في تقاريرها هو تقديم المساعدات سواء كانت مالية أو عينية فقط، دون أن تسأل نفسها إلى متى سيستمر في ذلك؟ وماذا بعد؟ مما يؤكد أنه لا توجد لدى الوزارة رؤية مستقبلية أو هدف في المدى المنظور لاستثمار جزء من أموال الزكاة والضرائب التي بلغت 30 مليار ريال، منها 15.3 مليار ريال حصيلة الزكاة (على عروض التجارة فقط) التي توجه إلى وكالة الضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية، وهذه الأموال قابلة للزيادة والنمو في السنوات القادمة في ظل نمو الاقتصاد وفتح باب الاستثمار الأجنبي.

أعتقد أن هذا المبلغ لو اقتطع جزء منه سنويا واستثمر بطريقة جيدة سواء في الصناديق الحكومية أو العالمية أو بشراء أسهم في الشركات المساهمة السعودية، سيحقق عوائد مجزية تمكن الوزارة من تنفيذ برامج إنمائية لا إغاثية ستسهم بشكل كبير في تحقيق نقلة نوعية في معالجة ملفات الفقر.

بقي القول إن أمام وزارة الشؤون الاجتماعية فرصة كبرى لاستغلال الموارد المالية المتاحة وتحقيق عوائد مالية مجزية تساعدها في تحقيق أهدافها العريضة، وتسهم في تخفيض عدد المستفيدين مستقبلا شريطة التخلي عن النمط التقليدي المتبع حاليا، الذي يعتمد على صرف ما يرد من أموال الزكاة والدعم الحكومي على شكل إعانات مالية وعينية.

alofi.m@makkahnp.com