الرأي

رز محروق

دبس الرمان

هبة قاضي
شعرت بنظراتهن الغريبة تحط عليها حال دخولها الغرفة، ابتسمت لهن وهي ترحب بهن في أول يوم عمل، ومن ثم توجهت لمكتبها. خلال اليوم حاولت تبادل أطراف الحديث معهن أكثر من مرة، ولكنهن ظللن متحفظات في تعاملهن. لم تعر الموضوع اهتماما، وخلال الأيام اللاحقة ركزت على توجيههن وتعليمهن العمل بكل إخلاص واحترافية. لتقول لها إحداهن في أحد الأيام (أتصدقين كل ما قالوه عنك كان خاطئا)، نظرت إليها باستغراب، لتستطرد الأولى (قالو لنا إنك قوية وأن ننتبه في تعاملنا معك، واكتشفنا أنك بالعكس جدا متعاونة، لكن فقط...) ابتسمت لها لتشجعها على الإكمال، فقالت (فقط إنك حريصة جدا في العمل!).

سبحان من قلب الموازيين ليصبح الإنسان الواضح، المعتد، والقائم بالحق «قويا»، ويصبح الإنسان صافي السريرة والمعطاء «طيبا»، ويصبح المحب لعمله، والمقبل على الإنجاز «متحمسا». فحال دخولنا لمكان جديد نجد من يتبرع بإعطائنا تقريرا عن كل شخص (والله فلانة قوية)، (وفلان مرة طيب)، (وفلان متحمس). الغريب في الموضوع أن ظاهر الكلمات يبدو جميلا، يبدو كأنه مدح وإشادة، في حين أن الحقيقة هو أنه ذم أو نقد مبطن. ففي العبارة الأولى القوة هنا تعني بالمصطلح الدارج (القواية) أي القدرة على الرد المسكت، وأنه لا يسكت أو يتجاوز عمن يسيئون إليه، فتعطيك العبارة إيحاء مبطنا (انتبه). وأما العبارة الثانية فالمقصود بها هو السذاجة و»تباسط» الشخص مع من حوله، فحبه لمساعدة غيره بدون مقابل وقلبه الأبيض الذي يسامح ويتجاوز عن أخطاء الآخرين بسرعة قد يجلب له شرف هذا اللقب، والذي يعطيك إيحاء مبطنا (استغله). أما العبارة الثالثة فالمقصود بها ذلك الشخص الشغوف والممتلئ بالحياة تجاه الأشياء، فحبه لما يفعله، وإيمانه به يستفز من حوله فيصمونه باللقب والذي يعطيك إيحاء مبطنا (حطمه).

يميل غالبية الناس إلى تجنب اتخاذ المواقف من الأشياء، أو الارتباط بها، فمن الأسهل المرور في الحياة كما الزائر الخفيف، تتسلى، تقضي وقتا ربما لطيفا وربما صعبا، ولكنك في النهاية تسارع للمغادرة. قد يكون ذلك مكان عملك، وقد يكون زواجك، أو حتى علاقتك بأهلك وأصدقائك. فاتخاذ المواقف الواضحة والتصرف بصدق ووضوح يستهلك من طاقتنا أكثر، ويعرض مشاعرنا لاحتمالية الجرح أو الألم أكثر. لذلك حين تظهر لنا بعض الشخصيات التي تعيش بشغف وبصدق وإخلاص، معبرين لانتقادهم، والتقليل من شأنهم بتلك العبارات المبطنة، كيف لا وهم يشعروننا بمدى هامشيتنا، وجبننا عن العطاء والتحمس لشيء نحبه ونعيشه بكل جوارحنا. لذا في المرة القادمة قبل إطلاق اللقب على أحدهم اسأل نفسك بصدق (ترى أذلك منه؟ أم تراه من نفسي؟).