الرأي

متفائلون رغم تغير المناخ

منى عبدالفتاح
لحسن حظّ هذا العالم المكلوم أنّ نهايته لم تجئ، كما أنبأ بها الفيلسوف السياسي فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» الصادر عام 1992م. ولكن قد تكون هذه التنبؤات هي ما لفتت منظمات عالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى حقيقة ظل هذان الجسمان الاقتصاديان الحاكمان بأمر القوة العظمى يداريانها لشيء في نفسيهما.

وبحسب فوكوياما، فإنّ طبيعة البشر مؤلفة من رغبتين رئيستين، الأولى هي الرغبة في السلع المادية والثروة، أما الثانية فهي أن يدرك الناس من حولنا قيمتنا كبشر. هاتان الرغبتان أزليتان، وهما المفسران لكلّ أشكال الحروب والأزمات في العالم. فلم يجئ فوكوياما بجديد فيما يخصهما، بل كان تحليلا لفلسفات قديمة من لدن «أفلاطون» و»هيغل» و»ألكسندر كوييف»، ولكن الجدل كان فيما أثاره بأنّ انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان.

الرابط بين الرغبتين أعلاه والمارد الجاثم على صدر العالم الآن وهو خطر التغيّر المناخي، وثيق. فقد أعلنت مجموعة البنك الدولي حالة الطوارئ، فالخطر القائم سيجعل المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة على صعيد مكافحة الفقر والجوع والأمراض، تذهب مع ريح هذه التغيرات، كما سيهدّد حياة مليارات البشر وسبل كسب عيشهم، خاصة في البلدان النامية.

ازدياد عدد الفقراء في العالم والذي يُتوقع ارتفاعه بواقع 100 مليون شخص بحلول عام 2030م، هو نتيجة مباشرة لتحول العالم إلى التوجه الصناعي، وذلك باستخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة. وباستشراء الروح الشغوفة بتجميع الثروات، امتلأ العالم بالمصانع والشركات المتنافسة التي تستخدم هذه الأنواع من الموارد الأحفورية وبالتالي تطلق غازات تحبس الحرارة كثاني أوكسيد الكربون وهي من أهم أسباب تغير المناخ.

النتيجة الآن هي ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وخلقت ظروفا مواتية لانتشار الآفات والحشرات الناقلة للأمراض كالبعوض الناقل للملاريا وزيكا وغيرهما، رغم التطور العلمي الذي يسير بنفس الوتيرة من أجل مكافحة هذه الأمراض. كما ارتفعت مستويات مياه البحار مما ينبئ بتغول هذه البحار على اليابسة وإنهاء حياة كثير من الشعوب التي تعيش على ساحلها، وبتناقص المياه العذبة، تأثرت الزراعة والغذاء وإمدادات المياه.

ورغما عن كل هذه الحقائق لا تزال توقعاتنا وأملنا في عالم جميل كبيرة. هذه الآمال لا تمتُّ إلى عالم التقارير العلمية بصلة ولا تنتمي سوى إلى تهيؤاتنا التي ترى أن ما مرّ بعالمنا من بؤس وشقاء خلال عقود طويلة لا بد أن يعقبه قدر جميل. هذا القدر المؤمل يضمن لنا أنّ ذهنيتنا لن تذهب لأبعد من شرح ظاهرة الاحتباس الحراري واتفاقية كيوتو التي بدأ تنفيذها منذ العام 2005م، كأول اتفاقية جماعية للحدّ من تلوث البيئة والحفاظ على درجة حرارة الأرض بتقليل انبعاث الغازات الناتجة عن عملية التصنيع. وما دامت الصناعات تدور في أماكنها المخصصة فنظن أنّنا بمأمن إلى أن يجيء الوقت الذي تتعدى فيه انبعاثاتها على الطبيعة المحيطة بنا.

الغريب أنّنا عندما نتحدث عن التغيرات المناخية، نظن أنّ هذه الكارثة تحدث في جزء آخر من هذا الكوكب ولدينا من الأمل ما يكفي لأجيال قادمة، بأنّ الأرض ستنمو مروجا خضراء، وسيتغير طقسها إلى الأفضل. تفاؤل يرى العالم أنضر رغم الجدب، ويرى الأمن والأمان رغم الحروب، تفاؤل ينتظر دون أن يقوم أي شخص بزراعة شجرة أمام بيته لتستحيل الأرض إلى مساحات خضراء تحافظ على المناخ وتساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو. تفاؤل يتجاهل أحيانا، وفي أحايين كثيرة يسترعي الصبر المر.

mona.a@makkahnp.com