الرأي

إعفاء اللحية

تقريباً

فواز عزيز
ليس كل بحث في الخلافات الفقهية هروبا من رأي فقهي إلى آخر أهون، بل ربما يكون بحثا عن الصحيح بين الآراء الفقهية بالدليل والاقتناع!

والخلافات الفقهية ليست عيبا وليست حراما، إلا أنها نادرة الحدوث في وقتنا الراهن بين طلاب العلم، وكأن طلبة العلم أصبحوا «مقلدين» لبعضهم لا يحيد أحد منهم عن جادة رأي فقهي، في تحيز لرأي دون آخر، رغم أن الاختلاف رحمة للناس.

فغالبا لا نسمع الخلاف الفقهي، وإذا حدث كانت معركة لإثبات خطأ الآخر وليس لتأكيد صحة الرأي الفقهي..!

كثير من الآراء الفقهية كسبت قداسة، وصورة وهمية لصوابها دون بقية الآراء الأخرى في ذات القضية، لكن تقادم الزمن يكشف أنها لم تكن الصواب بشكل مطلق، إلا أنها كانت المسيطرة على خانة الصواب بالقوة الفقهية المتحيزة.

كان «إعفاء اللحية» أمرا واجبا بإجماع وهمي، حتى جاء طالب العلم الشيخ دبيان محمد الدبيان قبل عقدين من الزمن ببحث بعنوان «الإنصاف في ما جاء في الأخذ من اللحية من الخلاف»، ورغم أن الدبيان كان يقصد جواز الأخذ من اللحية بما زاد عن القبضة فقط، إلا أنه لم يسلم من الانتقاد من زملائه طلاب العلم والمشايخ، فاعترض عليه الكثير وطالب الكثير بعدم نشر بحثه، وناصحه الكثير بالتراجع عن ذاك الرأي، فقامت الدنيا على الدبيان الذي لم يكن وقتها يأخذ من لحيته حتى ما زاد عن القبضة، ومضت السنوات ومضى الخلاف وأصبح اليوم الكثير من طلاب العلم والمشايخ يأخذون من لحاهم أكثر مما زاد عن القبضة، دون أن يقروا بخطأ انتقاد بحث «الدبيان» وخطأ معارضة الكثير نشر البحث بين الناس، وكأنها كانت مسألة قطعية لا تقبل الخلاف.

مواضيع عديدة تحتاج التمحيص والمراجعة الفقهية بلا تشنج، بمبدأ «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».

(بين قوسين)

«كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر» صلى الله عليه وسلم، وينقل عن أبي حنيفة قوله: «هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحدا عليه، ولا نقول يجب على أحد قبوله بكراهة، فمن كان عنده شيء أحسن منه فليأت به».