الرأي

ولادة المدن

أرقام فارس

فارس هاني التركي
المدن مثل البشر تولد وتموت وهناك العديد من المدن التي تولد يوميا والعديد منها يتوفى ويدفن تحت غبار النسيان أو الديون أو الكوارث الطبيعية. لا تولد أي مدينة دون أسباب وحاجة حقيقية لها، ولا تنمو وتستمر في العيش دون جدوى اقتصادية لوجودها. هناك مدن سياحية ومدن اقتصادية ومدن علاجية ومدن دينية ومدن تقنية ومدن دراسية وجميعها لا بد له من امتلاك المقومات القوية كي يتمكن من البقاء والاستمرار. المنافسة على جميع الأصعدة، من توفير مقومات العيش المناسبة لجذب الناس للعيش والعمل فيها وكذلك المقدرة على جذب الناس لزيارتها وإنفاق المال فيها وقبل كل ذلك هو جذب رؤوس الأموال للاستثمار فيها.

فالمدينة الاقتصادية يجب أن تكون قادرة على جذب أكبر البنوك والشركات للاستثمار فيها، والمدن السياحية يجب أن تقنع كبرى شركات الترفيه مثل ديزني لاند للاستثمار فيها، والمدن الطبية يجب أن تكون مناسبة ومؤهلة لاستقطاب أمثال مايو كلينك.

توفير الحياة الكريمة مهم فلماذا يختار الطبيب والمهندس المميزان العمل في مدينة ما دون غيرها؟ الجواب سهل فالمردود المادي يجب أن يكون مجزيا وجودة الحياة أفضل. هذه المدينة لن تتمكن من توفير الدخل المادي المجزي إذا لم يكن نموذجها الاقتصادي يعمل جيدا وكانت قادرة على جذب الزبائن وهم في هذه الحالة المستهلكون. لماذا أذهب للسياحة في دبي أو أرولاندو أو للعلاج في ألمانيا أو النمسا أو للاستثمار في لندن أو نيويورك أو للدراسة في أكسفورد أو بوستن؟ فلكل مدينة ما يميزها، جدة على سبيل المثال مدينة ساحلية وميناء مهم ومتى ما استغلت ذلك فسوف تنمو وتزدهر أكثر، فالمنافسة ليست سهلة والبقاء للأفضل. وديدرويت مدينة صناعية وفيها أكبر مصانع السيارات في العالم ولكن بسبب المنافسة الشرسة من المدن الأخرى فقد أغلقت أغلب المصانع وهجرها سكانها لمدن أفضل حيث الوظائف والفرص مما جعلها تعلن إفلاسها وأصبحت شبه ميتة.

المدن القوية هي التي تعرف ميزتها التنافسية جيدا وتعمل على تطويرها وتحسينها وهي القادرة على جذب المستثمرين والمستهلكين في الوقت نفسه، وهي التي لا تعتمد على هبات ولا صدقات وإنما هي من يصنع الفرص ويوفر الدخل لسكانها والعائد الجيد لمستثمريها.