الرأي

حتى يرتقي التعليم..

مما لا شك فيه أن طبيعة الإنسان السوي على مر العصور تبحث عن التطور والرقي في جميع أمور الحياة، ومما لا شك فيه أيضا أن العلم أحد أهم الركائز الأساسية التي ترتقي بالمجتمعات وتطورها، فلذلك نجد علاقة تطور طردية ما بين المقررات الدراسية والمجتمعات المتقدمة، ومن تلك العلاقة نعرف تماما أهمية تحديث المقررات الدراسية ما بين الفينة والأخرى لتواكب احتياجات الإنسان في الحقبة الزمنية التي يعيشها، ولكن أثناء تطوير هذه المقررات نصطدم دائما بعدم تلاؤم بعض ركائز المنهج مع هذه المقررات في جوانب عدة، من أهمها «المعلم» وهو لبنة صلاح المجتمعات وتقدمها ورقيها والمناط بتحسينها وتثقيفها بالثقافة الحسنة.

والمعلم السعودي الآن لا يمكن أن ينظر إليه نظرة عامة وشاملة؛ كون التعليم في المملكة يمر بمرحلة انتقالية تفصل ما بين جيل مؤسس وآخر يبحث عن نفسه من خلال مطاردة آخر ما توصلت إليه المجتمعات المتقدمة في مجال التربية والتعليم، ومن ذلك نجد أننا سنتعامل مع مجموعة من «المعلمين» يختلف كل منهم عن الآخر، فعلى سبيل المثال:

معلم الخبرة «الحارس القديم» تجده ينظر إلى المقرر الدراسي على أنه «مجموعة من المعارف قد تم تلخيصها ليسهل حفظ الطلبة لها»، فتجده يكرس وقت الحصة لتلقين الطلاب كل ما يحتويه المقرر الدراسي (من الجلدة إلى الجلدة) ويكون جل همه منصبا على المادة العلمية وإمكانية اجتياز الطلبة لاختبارها، حتى أنه يهمل التطبيقات العملية وما يعمل العقل من أمثلة وشروحات مطولة بحجة ضيق الوقت.

أما المعلم الحديث فلا يمكن لنا أيضا أن ننظر له بنظرة شاملة لأنه يتحلل إلى أكثر من فئة حسب إمكاناته وقدراته وتحصيله العلمي وفي الأخير بالذات تجد المفارقات العجيبة، فمعلم هذا العصر يختلف عن سابقه في أمور عدة، أحدها «صـلاحية المعلم للتدريس»، فنرى بأن فئة كبيرة من المعلمين ليست لديهم القدرة على فهم مادتهم العلمية قبل أن يدرسوها، وهذه «المصيبة» يؤكدها قبول (كليات إعداد المعلمين) لطلاب أقل تحصيلا علميا من الذين تقبلهم (الجامعات بمختلف تخصصاتها)، ولو فكرنا قليلا وسألنا أنفسنا هذه الأسئلة: كيف يحمل رسالة التعليم غير المتعلم؟ وكيف نتوقع إنتاج عقول تدعم أمتنا في الطب والهندسة والعلوم والتقنية والإدارة قد تتلمذت على أيدي هؤلاء المعلمين؟

هذا المعلم - المسكين - سيجد نفسه أمام مجموعة كبيرة من المتطلبات التي يجب عليه أن يؤديها لتبليغ الرسالة الثقيلة التي تم تحميله إياها، وسيقف عاجزا عن تبليغها ما لم تتم مساعدته في استدراك ما فاته والعمل الجدي على تحسين وضع المعلم (ماديا، ومعنويا) وجعل بيئة التعليم بيئة جاذبة للموظفين حتى يتسنى للكليات القائمة على إعداد المعلمين رفع سقف قبول خريجي الثانويات بها، ومن ثم رفع التحصيل العلمي لدى معلمي المستقبل (الـقـريـب).

وخلاصة القول: لن يتطور التعليم حتى يفخر المجتمع بوظيفة ابنهم «المعلم» كما يفخر بوظيفة ابنهم الطبيب أو المهندس!