الرأي

الشللية الإدارية

محمد العوفي
«لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول أصحاب الشلة إلى زملاء عمل»، هذه العبارة وردت في كتاب «حياة في الإدارة» للدكتور غازي القصيبي، الكتاب الذي دون فيه عراب الإدارة السعودية سيرته الإدارية، وخلاصة تجربة ثرية في العمل الحكومي، وهو بالمناسبة كتاب ينصح بقراءته، ويفترض- ومن وجهة نظر شخصية - أن يدرس في كلية إدارة الأعمال السعودية.

هذه العبارة تلخص كل معاني الفساد الإداري والأمراض الإدارية في «اثنتي عشرة» كلمة، وتغني عن عشرات المقالات التنظيرية، ووصية مجانية لمن أراد النجاح في حياته الإدارية، لأن الشللية تمثل البوابة الأولى لانتشار الواسطة والمحسوبية والمجاملة والنفعية بأقبح صورها، وما نعانيه اليوم من مشاكل إدارية في كثير من الجهات الحكومية نتاج لانتشار الشللية المبنية على عوامل متعددة وقواسم مشتركة كالمناطقية والقبلية وزملاء الدراسة أو الوظيفة وغيرها.

وما أراد عراب الإدارة السعودية إيصاله وتمريره في هذه العبارة، هو وجوب التفريق والفصل بين الشلة وزملاء العمل من ناحية، فالشلة لا يمكن أن يكونوا زملاء عمل ناجحين إلا فيما ندر، ومتى تحولت الشلة لزملاء عمل دخلت المجاملات والمحسوبيات ميدان العمل على حساب الكفاءة والإنجاز، ومن ناحية أخرى فإنها تتضمن تحذيرا للمسؤول والكفاءة الإدارية التي يتم اختيارها لمنصب معين من أن خلق شللية في العمل سيقود في نهاية المطاف إلى فشله وقتل كفاءته.

في الواقع اليومي المعاش في الجهات الحكومية، تجد أن هذه الحالة واضحة بشكل كبير، وضوح الشمس في رابعة النهار، فما أن يأتي مسؤول أيا كان هذا المسؤول وزيرا أو ما دون ذلك من مسميات ومناصب إدارية، فإن الخطوة الأولى التي يتخذها هي إحضار طاقمه الإداري أو شلته معه، وتسليمها مناصب إدارية أو قيادية في المنظمة، معلنا بذلك ولادة مفهوم الشللية في العمل.

هذه الدائرة أو الشلة لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها أو من شخص الوزير، وستعلن الحرب على كل المبدعين والمنجزين من خارجها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وسيمنعونهم أو يمنعون وصول أفكارهم الجيدة والجديدة إلى الوزير أو الشخص المسؤول إذا كانت تهدد مصالحهم أو قد ينسبونها لأنفسهم.

وفي حالات أخرى، لا تقل سوءا عن سابقتها، تسعى هذه الشلة لضم هؤلاء الموظفين إليها تحت إغراءات حمايتهم، والمنافع الذاتية التي يمكن أن يجنوها من الانخراط فيها، ليغرقوا معهم في الشللية، وينصرفوا عن التفكير والإبداع وتوليد الأفكار الخلاقة، وتموت بذلك الكفاءة الإدارية، ويفشل المسؤول في تحقيق الأهداف التي تم اختياره من أجل تحقيقها.

والشللية عادة تشكل هيكلا إداريا موازيا، وقوة خفية، وثقافية فرعية مضادة للثقافة الرسمية للمنظمه، تركز على مصالحها فقط دون الاكتراث لمصالح المنظمة أو عملائها أو مراجعيها، وهو ما عده خبراء وعلماء الثقافة التنظيمية تهديدا كبيرا لثقافة المنظمة، لأن الثقافات الفرعية التي تنشأ عن الشللية تعمد إلى تعطيل العمل المؤسسي، وترفض كل ما يهدد مصالحها ومناصبها سواء أكان هذا تغييرا في الإجراءات أو السياسات أو استخدام التقنيات الحديثة.

ما يقوله كثير من المسؤولين عند جلب حاشيته معه، أو تبريره بأنه تصرف بحسن نيه، كالارتياح في العمل معهم، والولاء لهم، والتفاهم معهم، ليس صحيحا على الإطلاق، لأنه يقود بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى ظهور وتنامي الشللية، وظهورها في أي جهة سواء كانت حكومية خدمية أو قطاعا خاصا ربحيا، عامل هدم للكفاءات، وقتل لإبداعها، وقنبلة موقوتة تهدد الكيان الإداري بشكل كامل، في حين أن الكفاءة الإدارية أو القائد الحقيقي هو من يملك القدرة على خلق توليفة وفرق عمل من الموظفين الحاليين، تكون قادرة على التناغم مع أفكاره وتوجهاته دون الحاجة إلى إحضار طاقمه الإداري معه.

خلاصة القول، إن الشللية تخلق بيئة طاردة وقاتلة للكفاءات الإدارية، وأنها والفساد الإداري يتقاطعان ويلتقيان في نقاط ومواضع كُثر، ومتى وجدت الشللية وجد الفساد الإداري والمالي، وخلف كل فساد إداري ومالي شللية معينة.. فتشوا عنها.

alofi.m@makkahnp.com