الرأي

في تحولات المواجهة بين «حزب الله» وإعلامنا

عبدالعزيز الخضر
واقعيا انتهت مهمة حزب الله في المنطقة بعد أكثر من ثلاثة عقود، خدمته ظروف الواقع العربي وتعقيدات المشهد السياسي غير المستقر منذ السبعينات، واليوم يجد الحزب نفسه.. تحت عدة حصارات مختلفة أهمها المسألة الأخلاقية، حيث فقد كل رصيد يمكن التضليل فيه، بعد أن أسقطت الثورة السورية آخر ما تبقى له من سمعته، ولهذا أصبح اليوم مجرد محاولة الدفاع عنه أو تفهمه بتبريرات من أي درجة كافية لحرق سمعة وتاريخ الشخصيات التي تتورط بأي نوع من التزكية له. منذ بدايات الثورة السورية كان واضحا وقوف الحزب ضد الشعب السوري، هذا الوقوف لم يكن مجرد موقف سياسي عام، ليكون في سياق المواقف التي فرضتها عليه التبعية لإيران، وإنما جاء بصورة انحطاط سياسي أكبر عندما أعلن الحزب تدخله عسكريا في الحرب بالوقوف مع نظام بشار وإرهابه، فأصبح أحد أطراف الصراع مباشرة وأكبر من ساهم في حضور البعد الطائفي في المنطقة.

واليوم يواجه الحزب خيارات سياسية صعبة، ولهذا تبدو خطابات إعلامه منذ أكثر من عامين متوترة ومرتبكة جدا، ومع تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية لدى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، زاد هذا التوتر والتخبط الإعلامي. وبالرغم من أن القرار كان متأخرا لظروف سياسية كثيرة، فقد جاء وقعه شديدا على الإعلام الإيراني، حيث فقدت الكتابات والتعليقات صوابها، وحاولت استعمال مختلف الأساليب والمغالطات لتشويه القرار وربطه بقضية فلسطين والكلام عن إسرائيل والصهيونية، ولأن هذه اللغة لم تعد قادرة على القيام بالحد الأدنى من فعاليتها القديمة، فقد اضطر الإعلام الإيراني أن يختلق قبل أيام تصريحا من عنده باسم نجل جمال عبدالناصر، عبر وكالة «فارس» تدعي فيه أن نجل الزعيم المصري الراحل يدين فيه وصفه بالإرهاب ويمدح حزب الله لكن نجل عبدالناصر نفى هذا التصريح بالكامل الذي نسب إليه.

ليس هناك قيمة سياسية أو عملية لنجل عبدالناصر لكنه يعبر عن أسلوب الإعلام الإيراني والموالين له من محاول الاستفادة من بقايا سمعة عبدالناصر واستحلاب الشعور القومي القديم لدى الجمهور بأي طريقة، واليوم يجد الحزب والإعلام الإيراني وضعهم بأسوأ حالاتهم التاريخية، بعد أن أصبحوا جزءا من تدمير المنطقة العربية من شمالها إلى أقصى جنوبها، ومع هذا يجب أن يطرح سؤال كيف استطاع الحزب أن يبقى أكثر من ثلاثين عاما، ويشرعن حضوره في الحالة العربية واللبنانية حتى على مستوى السمعة، بالرغم من شهرة تبعيته لإيران كحقيقة يعرفها الجميع!؟

وهذا يفرض علينا إعادة النظر في الأداء الإعلامي للحزب ولإعلامنا، وما هي العوامل التي جعلت إعلام الممانعة الكلامية يوهم بعض الجماهير بالدفاع عن القضايا العربية وكأنها حقيقة. جزء من النجاح الذي تحقق له كان بسبب الظروف السياسية الخاصة منذ الثمانينات مرورا بالتسعينات وما بعدها، لكن أول وأهم الحقائق التي يجب أن نستحضرها وقد تغيب عن الكثيرين اليوم أن مهاجمة «حزب الله» وإعلامه لم تكن متاحة بهذه الصراحة التي نشاهدها اليوم في الإعلام الخليجي خلال أكثر من عقدين قبل تطورات 2005. كان ما يلفت النظر مع بدايات ظهور الحزب في الثمانينات هو نطق اسمه في نشرات الأخبار للقناة الأولى السعودية، حيث كان يسبق اسمه بتعبير ما يسمى بـ»حزب الله»، وكان هذا الاختيار الإعلامي بسبب الحرج الشرعي والديني حينها.

لقد مر أكثر من عقدين قبل عام 2005 واغتيال الحريري، حينها لم يكن المشاهد العربي يسمع نقدا كثيرا للحزب في كل الإعلام العربي، فالموقف السياسي من الحزب ليس علنيا، مع وجود تحفظات متبادلة بحيث لا يهاجم كل طرف الآخر في إعلامه، كجزء من إدارة الصراع وتوازن القوى في لبنان والمنطقة، ولم يصمد في الموقف من الحزب إلا الجانب العقائدي الشعبي الذي يمنع الاتجاه السني العربي من الإعجاب والتأثر بخطابات الحزب بصورة كلية. ولهذا يجب أن نستحضر حقيقة أن الإعلام العربي الرسمي لمعسكر الاعتدال كان محيدا مبكرا في هذا الصراع بسبب النظام السوري وتوازنات متنوعة، ومقابل ذلك كان إعلام حزب الله وإيران يستفيد ويستثمر في مرحلة التسعينات من الهرولة العربية الإعلامية والسياسية الفاشلة للسلام، وسقوط سمعة اتجاهات وشخصيات كثيرة، ثم جاء الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000، لينفخ فيه الحزب تحت شعار النصر الإلهي، ويصنع من الانسحاب وخطابته حفلات مستمرة، دون تحرك له رؤية واضحة من إعلامنا. وحتى عام 2005 لم يكن إعلامنا ناقدا حقيقيا له بصورة مباشرة، باستثناء بعض الكلام في برامج أو مقالات تكتب بإشارات نقدية عابرة كما كان يكتبه حازم صاغية في صحيفة الحياة حينها، حيث كان النقد صعبا في ظل الحضور القوي للنظام السوري في لبنان.

الانكسار والانكشاف الحقيقي بدأ في عام 2005 بعد تورط الحزب مع النظام السوري في اغتيال الحريري، ثم جاءت مهزلة عملية 2006 «الوعد الصادق» التي تسببت في كارثة على لبنان واجتياح إسرائيلي أصبح فيها الحزب متفرجا على الدمار الذي حدث! أما في الفترة ما بين عام 2006 إلى عام 2010 فإن المعركة الإعلامية ظلت مفتوحة بشراسة في المقالات والبرامج بين إعلام الممانعة وإعلام الاعتدال، وهي الفترة الحقيقية للمواجهة وبحاجة إلى تقييم خاص لأداء إعلامنا في هذه الفترة، وانتهت في عام 2010 بصورة غير مرضية، قبل أن تعود مرة أخرى مع تطورات الثورة السورية والتدخل الإيراني، وللأسف لم يستطع إعلامنا في كل مرحلة سحب المزايدة على القضية الفلسطينية من قبل إعلام الممانعة لوجود عدة أخطاء حقيقية في التناول والرؤية في خطابنا الإعلامي.. قد توهم المشاهد العربي بأن القضية الفلسطينية لا ينتصر ويدافع عنها سوى إعلام النظام الإيراني وأتباعه!