عالم جديد شجاع متغير
السبت / 3 / جمادى الآخرة / 1437 هـ - 22:45 - السبت 12 مارس 2016 22:45
في أغسطس 2004 كتبت صحيفة اليوم السعودية خبرا عن مداهمة شرطة الأحساء سوق الجوالات بالهفوف، ومصادرتها عددا من الجوالات المزودة بكاميرات، وقد بدأت المداهمة بإغلاق مداخل ومخارج السوق، ثم تفتيش المحلات، حيث تمت مصادرة جوالات (الباندا) و(الزعيم)، والقبض على 12 شخصا بحوزتهم جوالات بكاميرا للاستخدام الشخصي.
كما كتبت الصحيفة عن حدوث معركة في أحد المجمعات النسائية بسبب جوال (الباندا)، بعد أن توجهت سيدة مسنة لفتاة تحمل الجوال ونصحتها بضرره، ولكن الفتاة لم تنتصح فما كان منها إلا أن نزعته منها بالقوة وحطمته على الأرض وسط تصفيق الحاضرات، هذه الحادثة التي حصلت قبل حوالي 10 سنوات فقط لم تكن منفردة ولا شاذة بل صاحبها استنفار اجتماعي وأمني ضد جوالات الكاميرا، من أبرزها منع استيرادها بل ومصادرتها، إضافة إلى مجلدات من المواعظ والقصص الدرامية عن الخطر المحدق من استخدام جوالات الكاميرا.
عالم اليوم جديد، ولأننا نعيش تفاصيله ونشهد ميلاد التقنيات اليومية الجديدة، سرعان ما ننسى أن جوالا كالذي تقرأ هذا المقال منه قد يؤدي بك للتوقيف، الحوار الاجتماعي في تلك الفترة لا يكاد يمت بصلة لما يحدث اليوم من التواصل المكثف المدعوم بكم هائل من تطبيقات الهواتف الذكية، أولئك الذين وعظوا وذرفوا الدموع وزفروا التنهدات على فساد المجتمع تجدهم اليوم بملايين المتابعين، وفي كل قنوات التواصل بما فيها «سناب شات» القائم على التواصل المباشر بالصورة والفيديو، والجهات الرسمية الحذرة من كاميرا الجوالات أصبحت اليوم عاجزة أمام طوفان التواصل الذي يفرض نفسه على المجتمع كما فرض نفسه على العالم.
عالم اليوم شجاع، لم يعد فيه للحدود الجغرافية والثقافية واللغوية مغزى كبير، لا تكاد تشرق شمس السنة الجديدة حتى ترى في جوالك كيف احتفل الناس من مشارق الأرض ومغاربها، لم يعد الأمر بحاجة لحزم الحقائب والسفر إلى أقاصي الدنيا؛ لتشهد كيف يعيش الآخرون تفاصيل حياتهم، بل إن الحدود الجغرافية الرمزية تزداد تلاشيا مع مرور الوقت وانتشار الهواتف الذكية، ودخول أفواج جديدة في عالم شبكات التواصل، لم يعد أمام مسؤول - سواء أب أو صانع قرار- الخيار الكامل في انتقاء ما يرغب فيه ونبذ ما لا يرغب، لقد ولى عالم الفقاعة وجاء عالم جديد يتخطى الحدود.
وقبل أن أختم الحديث أود أن أشير إلى أمرين:
الأول أن وسائل التواصل الجديدة وآثارها الاجتماعية، عابرة للقارات والدول بحدودها وقوانينها ولغاتها وثقافاتها، ليس هناك من ضير سوى أن من يقف خلف هذه الوسائل ليست شركات محلية، بل شركات أمريكية بعدد قليل جدا من الموظفين مقارنة بعدد المستخدمين، كما تقف خلف هذه الوسائل استثمارات مليارية لتهيئ لها كل سبل الانتشار والتمدد، فالحديث عن آثار هذه الوسائل وما تفرضه من أنماط اجتماعية، مع مقارنة آثارها عبر دول مختلفة لم يعد من الترف بل ضرورة تفرضها الحاجة لفهم الإنسان ودراسة سلوكه.
والأمر الآخر هو أن تصميم استخدام هذه الوسائل الجديدة (بما فيها الألعاب الالكترونية) يفرض أنماطا جديدة من السلوك المنعكس على استخدامها، وكذلك على التواصل بين الأفراد فيها، تصميم سلوك المستخدم والمجتمع تبعا لذلك يبدأ من غرف الاجتماعات داخل هذه الشركات، وليس بقرار اجتماعي، فـ»تويتر» القائم على الرسائل القصيرة، أو «سناب شات» القائم على التصوير المباشر، أو عالم الألعاب الالكترونية المتقدمة القائمة، على دائرة متكاملة من المكافآت والعقوبات والتخطيط ليست وسائل تواصل فحسب، بل وسائل لتغيير سلوك الإنسان وسلوك المجتمع أجمع.
كما كتبت الصحيفة عن حدوث معركة في أحد المجمعات النسائية بسبب جوال (الباندا)، بعد أن توجهت سيدة مسنة لفتاة تحمل الجوال ونصحتها بضرره، ولكن الفتاة لم تنتصح فما كان منها إلا أن نزعته منها بالقوة وحطمته على الأرض وسط تصفيق الحاضرات، هذه الحادثة التي حصلت قبل حوالي 10 سنوات فقط لم تكن منفردة ولا شاذة بل صاحبها استنفار اجتماعي وأمني ضد جوالات الكاميرا، من أبرزها منع استيرادها بل ومصادرتها، إضافة إلى مجلدات من المواعظ والقصص الدرامية عن الخطر المحدق من استخدام جوالات الكاميرا.
عالم اليوم جديد، ولأننا نعيش تفاصيله ونشهد ميلاد التقنيات اليومية الجديدة، سرعان ما ننسى أن جوالا كالذي تقرأ هذا المقال منه قد يؤدي بك للتوقيف، الحوار الاجتماعي في تلك الفترة لا يكاد يمت بصلة لما يحدث اليوم من التواصل المكثف المدعوم بكم هائل من تطبيقات الهواتف الذكية، أولئك الذين وعظوا وذرفوا الدموع وزفروا التنهدات على فساد المجتمع تجدهم اليوم بملايين المتابعين، وفي كل قنوات التواصل بما فيها «سناب شات» القائم على التواصل المباشر بالصورة والفيديو، والجهات الرسمية الحذرة من كاميرا الجوالات أصبحت اليوم عاجزة أمام طوفان التواصل الذي يفرض نفسه على المجتمع كما فرض نفسه على العالم.
عالم اليوم شجاع، لم يعد فيه للحدود الجغرافية والثقافية واللغوية مغزى كبير، لا تكاد تشرق شمس السنة الجديدة حتى ترى في جوالك كيف احتفل الناس من مشارق الأرض ومغاربها، لم يعد الأمر بحاجة لحزم الحقائب والسفر إلى أقاصي الدنيا؛ لتشهد كيف يعيش الآخرون تفاصيل حياتهم، بل إن الحدود الجغرافية الرمزية تزداد تلاشيا مع مرور الوقت وانتشار الهواتف الذكية، ودخول أفواج جديدة في عالم شبكات التواصل، لم يعد أمام مسؤول - سواء أب أو صانع قرار- الخيار الكامل في انتقاء ما يرغب فيه ونبذ ما لا يرغب، لقد ولى عالم الفقاعة وجاء عالم جديد يتخطى الحدود.
وقبل أن أختم الحديث أود أن أشير إلى أمرين:
الأول أن وسائل التواصل الجديدة وآثارها الاجتماعية، عابرة للقارات والدول بحدودها وقوانينها ولغاتها وثقافاتها، ليس هناك من ضير سوى أن من يقف خلف هذه الوسائل ليست شركات محلية، بل شركات أمريكية بعدد قليل جدا من الموظفين مقارنة بعدد المستخدمين، كما تقف خلف هذه الوسائل استثمارات مليارية لتهيئ لها كل سبل الانتشار والتمدد، فالحديث عن آثار هذه الوسائل وما تفرضه من أنماط اجتماعية، مع مقارنة آثارها عبر دول مختلفة لم يعد من الترف بل ضرورة تفرضها الحاجة لفهم الإنسان ودراسة سلوكه.
والأمر الآخر هو أن تصميم استخدام هذه الوسائل الجديدة (بما فيها الألعاب الالكترونية) يفرض أنماطا جديدة من السلوك المنعكس على استخدامها، وكذلك على التواصل بين الأفراد فيها، تصميم سلوك المستخدم والمجتمع تبعا لذلك يبدأ من غرف الاجتماعات داخل هذه الشركات، وليس بقرار اجتماعي، فـ»تويتر» القائم على الرسائل القصيرة، أو «سناب شات» القائم على التصوير المباشر، أو عالم الألعاب الالكترونية المتقدمة القائمة، على دائرة متكاملة من المكافآت والعقوبات والتخطيط ليست وسائل تواصل فحسب، بل وسائل لتغيير سلوك الإنسان وسلوك المجتمع أجمع.