الرأي

وزارة الحوار

u0627u0633u0627u0645u0629 u064au0645u0627u0646u064a
إن فكرة الحوار التي تبناها الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله كانت المحرك الحقيقي للحوار المجتمعي. فقد كان المجتمع السعودي في فترات سابقة يسوده ويطغى عليه الرأي الواحد أو الفكر الأحادي، ومن هنا ظهر التشدد وكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع حاليا، فضعفت قيمة العمل والأمانة والصدق واحترام الغير، وغير ذلك من قيم أخلاقية، بالرغم من أن الدولة صرفت بلايين الريالات، بل التريليونات، في مجال التوعية والتعليم والإرشاد. ولكن في ظل الفكر الأحادي من الطبيعي أن تأتى النتائج عكسية.

إن الحوار هو الطريق الأمثل لتصحيح القصور في الفكر الجماعي للمجتمع وجعله قابلا لتقبل الآخر بدون تخوين أو تكفير أو نعت الآخر بالفجور والتغريب. الحوار سيساعد على تفهم المجتمع للأمراض الاجتماعية التي إصابته مثل رفض الآخر والخصوصية وتقسيم المجتمع إلى عامة وخاصة وجهال وعلماء، ويساهم الحوار في نقل المجتمع من حالة القيل والقال إلى حالة مجتمع يفكر ويعمل على تصحيح المسار.

فكما للشباب رئاسة عامة ترعاه وترعى احتياجاته وأنشطته الرياضية، وكما للعمال وزارة ترعى مصالح العامل وتحميه من بطش صاحب العمل، فإن المجتمع يستحق أن تكون له وزارة حوار تأهل الفكر الجماعي وتساهم في تحوله من أحادية الفكر إلى فكر متعدد الأقطاب، غني ومتنوع ومبدع وخلاق. ومن الممكن أن تكون وزارة الحوار جزءا من وزارة الثقافة بعد فصلها عن وزارة الإعلام.

لقد عانى المجتمع من مفاهيم كرست ووظفت لترسيخ الفكر الواحد حتى أصبحت ظاهرة في كثير من مناحي الحياة اليومية، فخبت ثقافة الحياة والفرح والسرور والأنس، مقابل ثقافة الموت والشعور بالذنب والتقصير والقصور، وظهرت حالات العنف الأسري والعنف على الأطفال، وهرب بعض الشباب من هذه الضغوط إما إلى التشدد أو إلى المخدرات، فارتفعت نسبة التشدد وارتفعت نسبة المخدرات. كما انعكس الفكر الأحادي على الشارع فأصبحت القيادة والسواقة تعني للسائق أن الشارع له وحده، فلا مراعاة لحق السائق الآخر وذلك ترجمة حرفية للفكر الأحادي الذي ساد في وقت سابق.

إن من أول فوائد الحوار أنه يكرس من اللحظة الأولى فكرة أن الآخر له حق أن يكون مختلفا. ومن فوائده أنه يساهم في تعزيز السلم الاجتماعي. والحوار ثقافة يجب الحرص عليها وتفعيلها في المدرسة والمصنع، وبين المسؤول وبين أصحاب العلاقة، والحوار ضروري بين طوائف المجتمع وبين كافة الفئات والاتجاهات. الحوار يساهم في إعادة صياغة مفردات الكلمات التي تطلق على الآخر مثل كلمة العامة بدلا من الجمهور أو المدعو بدلا من المكرم وغير ذلك من مفردات عنصرية أو مفردات الكراهية أو القبلية.

نعم الحوار يستحق وزارة ترعاه وتعمل على توفير الإمكانيات اللازمة وعمل ورش العمل والندوات والمؤتمرات، وتقوم بعمل الدراسات والقياسات والاستفادة من النتائج والتوصيات ونشرها وتوثيقها ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية.

@osamayamani