أي التخصصات الجامعية أكثر قابلية للتطرف؟
الأربعاء / 29 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 21:30 - الأربعاء 9 مارس 2016 21:30
في حادثة داعش الأخيرة أثار صدمة الناس أن من قام بالعملية أَخَوَان طبيب ومهندس، وفي المخيال الشعبي أن المهندسين والأطباء محصنون ضد التطرف نتيجة تخصصهم العلمي، لكن تحليل واقع المنتسبين إلى جماعات التطرف يشير لغلبة أصحاب التخصصات العلمية فيها، فقبل أشهر نفذ طبيبان أردنيان منتميان لداعش عمليتين انتحاريتين، وقبلهما صنع ذلك طبيب سعودي، ومن قاد العمليات الانتحارية في 11 سبتمبر محمد عطا، وهو مهندس، وزعيم القاعدة أيمن الظواهري ومنظرها سيد إمام طبيبان، ومنفذة حادثة كاليفورنيا الأخيرة تشفين مالك صيدلية، والذي أسس (جماعة الفنية العسكرية) في مصر صالح سرية دكتور في العلوم، ومن أسس جماعة (التكفير والهجرة) شكري مصطفى مهندس زراعي، وفي دراسة بحثية قام بها سعد الدين إبراهيم عالم الاجتماع المعروف عن 34 عضوا في اثنتين من المجموعات التي كانت تمارس العنف في التسعينات في مصر، وجد أن منهم 15مهندسا، و6 أطباء، وصيدليين، وتقنيين، وفي دراسة ذكرتها صحيفة الشرق الأوسط، قام بها جامبيتا وهيرتوج عالما الاجتماع البريطانيين، وكانت عن العلاقة بين التخصص العلمي والعنف، وقد درسا فيها حالة 404 شبان جامعيّين التحقوا بجماعات العنف، وكانت نتيجة الدراسة أن الذين درسوا تخصصات مثل العلوم أو الهندسة أو الطب كانوا الأكثر تمثيلا ضمن أعضاء المجموعات الإسلامية العنيفة، وأن المهندسين يمثلون الأكثرية.
وفي حديث لناجح إبراهيم أحد قادة الجماعة الإسلامية التي مارست العنف في مصر ذكر أن أغلب عناصر الجماعة هم من خريجي كليات الطب والهندسة والطب البيطري والصيدلة.
وهنا يبرز تساؤل عن غلبة القابلية للتطرف في التخصصات العلمية في الملتحقين الجامعيين في جماعات التطرف والعنف، مع أن المشاهد أن من يلتحق في التخصصات العلمية غالبا هم الطلبة المتميزون الذين يفترض أن يمنعهم تميزهم من الالتحاق بها؟
السبب في هذا كما يقول جامبيتا صاحب الدراسة السابقة «إن الذين يدرسون الهندسة يصبحون فاقدين للتسامح في مجال تحديد الحقيقة، ودراستها هي والعلوم الدقيقة تجعل في -الغالب- صاحبها ينظر إلى الأمور عبر اللونين الأبيض والأسود فقط».
أي أن طبيعة الهندسة والرياضيات والعلوم تعتمد على منهج علمي صارم، لا يسمح بوجود وجهات نظر متعددة، بل النتيجة تكون حاسمة، وهذا المنهج ينتج عقلية تتعامل مع الواقع الإنساني بما فيه من أفكار، وأشخاص، وأحداث كما تتعامل مع المادة الصماء، وذلك بمقياس صارم يقوم على ثنائية الصواب والخطأ، والحق والضلال، ولا مجال فيه لوجهات نظر، أو نسبية، وهذا ما يقتل فيها الروح النقدية، ويجعلها أقرب للخضوع لفكرة واحدة باعتبار أنها هي الحق والصواب غير القابل لأي تساؤل أو مراجعة، وهذا ما يسهِّل تجنيدها في جماعات العنف؛ لأن منهج تلك الجماعات قائم على الصرامة في فهم الدين، والثنائية الحادة في فهم تعاليمه، فليس ثمة لديها إلا كفر وإيمان، وهو فهم نهائي لا يقبل المراجعة، أو التعددية في الفهم، وهي بهذا المنهج تتوافق مع المنهج الذي تربى عليه أصحاب التخصص العلمي، بخلاف مناهج العلوم الإنسانية القائمة على النسبية، وتعدد وجهات النظر، والقابلية للنقد.
وقد أقر الطبيب إبراهيم ناجح أحد قادة العنف في التسعينات في مصر بأثر تغير المنهج على عقليته مما دفعه للتراجع عن أفكار التطرف، فقد ذكر أنه بعد دخوله السجن درس الآداب والحقوق، وهما كليتان نظريتان، وهذا ما عزز التوجه النقدي في فكره، وجعله يعيد النظر في أفكاره.
ولهذا السبب الذي جعل أصحاب التخصصات العلمية أكثر قابلية للتطرف نادى بعض الباحثين بتقرير بعض مقررات العلوم الإنسانية في الكليات العلمية، مما يساهم في إكساب عقلية طالب التخصص العلمي روح النقد، والمساءلة؛ لتحصينه من الوقوع في براثن جمعات التطرف.
aldahian.s@makkahnp.com
وفي حديث لناجح إبراهيم أحد قادة الجماعة الإسلامية التي مارست العنف في مصر ذكر أن أغلب عناصر الجماعة هم من خريجي كليات الطب والهندسة والطب البيطري والصيدلة.
وهنا يبرز تساؤل عن غلبة القابلية للتطرف في التخصصات العلمية في الملتحقين الجامعيين في جماعات التطرف والعنف، مع أن المشاهد أن من يلتحق في التخصصات العلمية غالبا هم الطلبة المتميزون الذين يفترض أن يمنعهم تميزهم من الالتحاق بها؟
السبب في هذا كما يقول جامبيتا صاحب الدراسة السابقة «إن الذين يدرسون الهندسة يصبحون فاقدين للتسامح في مجال تحديد الحقيقة، ودراستها هي والعلوم الدقيقة تجعل في -الغالب- صاحبها ينظر إلى الأمور عبر اللونين الأبيض والأسود فقط».
أي أن طبيعة الهندسة والرياضيات والعلوم تعتمد على منهج علمي صارم، لا يسمح بوجود وجهات نظر متعددة، بل النتيجة تكون حاسمة، وهذا المنهج ينتج عقلية تتعامل مع الواقع الإنساني بما فيه من أفكار، وأشخاص، وأحداث كما تتعامل مع المادة الصماء، وذلك بمقياس صارم يقوم على ثنائية الصواب والخطأ، والحق والضلال، ولا مجال فيه لوجهات نظر، أو نسبية، وهذا ما يقتل فيها الروح النقدية، ويجعلها أقرب للخضوع لفكرة واحدة باعتبار أنها هي الحق والصواب غير القابل لأي تساؤل أو مراجعة، وهذا ما يسهِّل تجنيدها في جماعات العنف؛ لأن منهج تلك الجماعات قائم على الصرامة في فهم الدين، والثنائية الحادة في فهم تعاليمه، فليس ثمة لديها إلا كفر وإيمان، وهو فهم نهائي لا يقبل المراجعة، أو التعددية في الفهم، وهي بهذا المنهج تتوافق مع المنهج الذي تربى عليه أصحاب التخصص العلمي، بخلاف مناهج العلوم الإنسانية القائمة على النسبية، وتعدد وجهات النظر، والقابلية للنقد.
وقد أقر الطبيب إبراهيم ناجح أحد قادة العنف في التسعينات في مصر بأثر تغير المنهج على عقليته مما دفعه للتراجع عن أفكار التطرف، فقد ذكر أنه بعد دخوله السجن درس الآداب والحقوق، وهما كليتان نظريتان، وهذا ما عزز التوجه النقدي في فكره، وجعله يعيد النظر في أفكاره.
ولهذا السبب الذي جعل أصحاب التخصصات العلمية أكثر قابلية للتطرف نادى بعض الباحثين بتقرير بعض مقررات العلوم الإنسانية في الكليات العلمية، مما يساهم في إكساب عقلية طالب التخصص العلمي روح النقد، والمساءلة؛ لتحصينه من الوقوع في براثن جمعات التطرف.
aldahian.s@makkahnp.com