حاكموا التراث قبل محاكمة قرائه
الثلاثاء / 28 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:30 - الثلاثاء 8 مارس 2016 20:30
قبل أيام نبش أحد الأساتذة الأكاديميين من جامعة الإمام في أعماق التراث، وغرف من قاعه المخبوء البعيد، المطوي عن الأنظار منذ مئات السنين، ذلك العمق الذي لا يطلع عليه إلا القليل من الناس، ولا يريد إثارته أحد، بل لا شك أنه ورد في حديثه موردا بعيدا.
وقد أثار فيما أشار إليه كثيرا من الغبار في الجو العام وتناولت ما تكلم به الألسن والأقلام، وكانت الصدمة عند عامة الناس كبيرة ومفاجئة للكثير منهم، ومعلوم المثل المشهور المتردد في التراث عينه (ليس كل ما يعلم يقال)، وإذا كان ليس كل ما يعلم يقال في الأمور العادية، فإنه بأمر التراث بتاريخنا العام أكثر حذرا وخطرا من غيره، ولكن الصمت عن المخزون منه ليس هو الحل حتى وإن بقي في الأعماق البعيدة التي لا يصلها ولا يطلع عليها إلا القليل والنادر، ولا يذكرها وينشرها غير القليل أيضا.
وقد أنكر الناس كافة ما جاء على لسان المتحدث، وطالبوا بمحاكمته لأنه لم يسكت كما سكت غيره ممن هو مثله يطلع ويأخذ ويدع من أدبيات الماضي السحيق في تاريخ طويل صاغته أفكار وعقول وأجيال ليس كله صحيحا، وليس كله صالحا في كل الأوقات وفي كل المناسبات.
التراث فيه من الموضوعات وفيه من المصنفات وفيه مما لا يصح وما لا يعقل وما لا يمكن أن يذاع على الناس مهما كانت الحرية الفكرية التي ينادي بها بعض المفكرين، وفيه الكثير الذي يصعب أن تنشره أو تذيعه أو تصدقه وإن تردد في بطون الكتب والروايات.
ولهذا السبب طالب المثقفون والعلماء والمصلحون منذ زمن بعيد بضرورة تنقيح التراث وغربلته، وفرز الصحيح من غيره، وحاول النقاد منهم الفصل التام بين احترام مجمل التراث وتقديسه، وبين وجوب إبعاد الشوائب التي علقت به، وكنس الأحراش الضارة والمعيقة لحركته، تلك التي نشأت حوله ونشأت من فهم ناقص أو ساقتها روايات لا يصدق منها إلا القليل، ومرت عليها سلسلة طويلة من التراكم ومن المقولات ومن الآراء ومن الروايات ومن التخيلات والخواطر التي تمر بأذهان بعض الرواة، فيضيفها إليه وتصبح جزءا منه يتوارثها علماؤه ويقررها مؤلفوه وينقلها تابع عن تابع لا تخضع للفحص ولا التمحيص ولا تقوم عليها حجة ولا برهان، حتى أصبح التراث مردما هائلا لأشياء بعضها مناقض لبعض، ومعاكس له ومشكك في مصداقية الصحيح منه.
نحن اليوم في عالم مفتوح على كل الثقافات وعلى كل الاتجاهات وما في بطون الكتب لا يمكن التحكم به، ولا يمكن معه إخفاء شيء مما نريد إخفاءه ولا طيه عن القراء كما كان ذلك في الماضي مهما كانت المحاولات، ولهذا يجب العودة إلى ما طالب به المصلحون منذ زمن بعيد وهو تنقيح التراث مما لحق به وإقامة الحجة على أنه ليس كل ما نسب إلى التراث صحيحا وصالحا، والنظر إلى التراث نفسه ومحاكمة ما فيه من تناقضات قبل محاكمة من يتجرأ على كشف ما يجب ستره وإغفاله، وإبراز الجوانب المقبولة وإعلان البراءة مما سوى ذلك.
في النهاية لا خلاف على أن التراث بمجمله والموروث البشري كله ليس مقدسا وليس محصنا أمام النقد والغربلة، والمطلوب أرشفته من جديد ونخله واختيار ما يصلح منه للحاضر، وما تقوم الحجة والدليل على صحته، وبيان الباطل الذي حمل عليه، والمنع والمحاكمة يجب أن توجه إلى التراث وليس إلى من يجد فيه شيئا، فيعلن ما وجد وينشر ما قرأ ويستشكل ما يرى من الغرائب والعجائب، والأمر سهل الإدراك لأنه لا يمكن حجب ما كتب فيه عن الناس كافة، ويصعب محاكمة من يقول ويسند قوله إلى مرويات تداولها من سبقه فقال بها وكررها ولو كانت رواية مجروحة وغير صحيحة.
marzooq.t@makkahnp.com
وقد أثار فيما أشار إليه كثيرا من الغبار في الجو العام وتناولت ما تكلم به الألسن والأقلام، وكانت الصدمة عند عامة الناس كبيرة ومفاجئة للكثير منهم، ومعلوم المثل المشهور المتردد في التراث عينه (ليس كل ما يعلم يقال)، وإذا كان ليس كل ما يعلم يقال في الأمور العادية، فإنه بأمر التراث بتاريخنا العام أكثر حذرا وخطرا من غيره، ولكن الصمت عن المخزون منه ليس هو الحل حتى وإن بقي في الأعماق البعيدة التي لا يصلها ولا يطلع عليها إلا القليل والنادر، ولا يذكرها وينشرها غير القليل أيضا.
وقد أنكر الناس كافة ما جاء على لسان المتحدث، وطالبوا بمحاكمته لأنه لم يسكت كما سكت غيره ممن هو مثله يطلع ويأخذ ويدع من أدبيات الماضي السحيق في تاريخ طويل صاغته أفكار وعقول وأجيال ليس كله صحيحا، وليس كله صالحا في كل الأوقات وفي كل المناسبات.
التراث فيه من الموضوعات وفيه من المصنفات وفيه مما لا يصح وما لا يعقل وما لا يمكن أن يذاع على الناس مهما كانت الحرية الفكرية التي ينادي بها بعض المفكرين، وفيه الكثير الذي يصعب أن تنشره أو تذيعه أو تصدقه وإن تردد في بطون الكتب والروايات.
ولهذا السبب طالب المثقفون والعلماء والمصلحون منذ زمن بعيد بضرورة تنقيح التراث وغربلته، وفرز الصحيح من غيره، وحاول النقاد منهم الفصل التام بين احترام مجمل التراث وتقديسه، وبين وجوب إبعاد الشوائب التي علقت به، وكنس الأحراش الضارة والمعيقة لحركته، تلك التي نشأت حوله ونشأت من فهم ناقص أو ساقتها روايات لا يصدق منها إلا القليل، ومرت عليها سلسلة طويلة من التراكم ومن المقولات ومن الآراء ومن الروايات ومن التخيلات والخواطر التي تمر بأذهان بعض الرواة، فيضيفها إليه وتصبح جزءا منه يتوارثها علماؤه ويقررها مؤلفوه وينقلها تابع عن تابع لا تخضع للفحص ولا التمحيص ولا تقوم عليها حجة ولا برهان، حتى أصبح التراث مردما هائلا لأشياء بعضها مناقض لبعض، ومعاكس له ومشكك في مصداقية الصحيح منه.
نحن اليوم في عالم مفتوح على كل الثقافات وعلى كل الاتجاهات وما في بطون الكتب لا يمكن التحكم به، ولا يمكن معه إخفاء شيء مما نريد إخفاءه ولا طيه عن القراء كما كان ذلك في الماضي مهما كانت المحاولات، ولهذا يجب العودة إلى ما طالب به المصلحون منذ زمن بعيد وهو تنقيح التراث مما لحق به وإقامة الحجة على أنه ليس كل ما نسب إلى التراث صحيحا وصالحا، والنظر إلى التراث نفسه ومحاكمة ما فيه من تناقضات قبل محاكمة من يتجرأ على كشف ما يجب ستره وإغفاله، وإبراز الجوانب المقبولة وإعلان البراءة مما سوى ذلك.
في النهاية لا خلاف على أن التراث بمجمله والموروث البشري كله ليس مقدسا وليس محصنا أمام النقد والغربلة، والمطلوب أرشفته من جديد ونخله واختيار ما يصلح منه للحاضر، وما تقوم الحجة والدليل على صحته، وبيان الباطل الذي حمل عليه، والمنع والمحاكمة يجب أن توجه إلى التراث وليس إلى من يجد فيه شيئا، فيعلن ما وجد وينشر ما قرأ ويستشكل ما يرى من الغرائب والعجائب، والأمر سهل الإدراك لأنه لا يمكن حجب ما كتب فيه عن الناس كافة، ويصعب محاكمة من يقول ويسند قوله إلى مرويات تداولها من سبقه فقال بها وكررها ولو كانت رواية مجروحة وغير صحيحة.
marzooq.t@makkahnp.com