الأمن الفكري.. هل نتكاتف لترسيخه؟!
الثلاثاء / 28 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:30 - الثلاثاء 8 مارس 2016 20:30
تميز سماء طيبة الطيبة الأسبوع الماضي بالتوهج الثقافي، فكان مميزا ومتميزا بالحراك الفكري المتنوع؛ والحوار العلمي الهادف، والطرح البناء، حيث عقدت ورشة عمل عن زيارة الروضة بالمسجد النبوي الشريف، وكذلك زيارة قبر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وكان ذلك يومي الاثنين والثلاثاء، وتوج ذلك مساء الأربعاء إذ شهد محاضرة قيمة لمعالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا رئيس الجامعة الإسلامية الأسبق بالنادي الأدبي بالمدينة، وكانت عن «الأمن الفكري.. الواقع والتحديات»، بدأت بتعريفات عدة تهدف لتأصيل المفهوم وبيان أهميته، ومرت بانتقادات حادة لما يجري في أرض الواقع، وانتهت بحلول ورؤى عملية، وشهدت عند ختامها مداخلات حادة ومطالبات متنوعة وتوجت بالشعر العربي الرصين.
وفي تصوري أن أهم ما جاء في المحاضرة أمران، أولهما انتقاد عدم التكامل بين الجهات مما يجعل الجهود تذهب هباء، فكل جهة تعمل منفردة وفي معزل عن الجهة الأخرى، والمفترض أن تتكامل الجهود وتتضافر، ولا بأس من تكرار المتميز في مناطق عدة واستنساخ الأجود منها وتعميمه بحيث ينفذ من قبل الجهات الأخرى في أماكن عدة.
والأمر الآخر المطالبة بعلاج نفسي واجتماعي، حيث انتشرت بعض السلوكيات وظهرت بعض المستجدات، وركز المحاضر على قيمة الصدق، ومسؤولية الأسرة تجاه غرسها في أفرادها، وسرد قصة مع أحد طلابه غير السعوديين في جامعة أم القرى كان نتاجها اتهام إحدى الشخصيات بالنفاق الصريح؛ لأن الطالب عاش في بيئة تتصف بالصدق والأمانة، وذلك المسؤول يعد ويخلف مرارا وتكرارا.
إن من المؤلم أن يتردى حال المجتمع السعودي إلى هذا الحد، وقد أشار المحاضر إلى الأثر السلبي الذي خلفته برامج الجوال والتواصل الاجتماعي، وكيف أن المرء بات ينشغل بها حتى عن ذكر ربه والصلاة على الرسول الكريم عند نومه ويقظته، فأصبحت شغله الشاغل ليلا ونهارا.
وكم ازددت ألما عند بحثي في هذا الموضوع - والذي يشكل ملفا خطيرا يفترض أن يحظى بالاهتمام البالغ والعناية الفائقة - حين اكتشفت وجود كرسي علمي يحمل مسمى «كرسي الأمیر نایف بن عبدالعزیز لدراسات الأمن الفكري» بجامعة الملك سعود، وأنه أقام «المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري المفاھیم والتحدیات»، في منأى عن الأضواء الإعلامية، وأقولها ببالغ الأسف ومن واقع تجارب عملية إن إعلامنا بات تجاريا بحتا، فهو لا يغطي فعالية إلا بمقابل، وهذا مؤسف للغاية؛ فرسالة الإعلام أسمى من البعد التجاري والربح المادي، والوطن يستحق أن نبذل من أجله كل غال ورخيص، ومثل هذه المواضيع لا تندرج تحت الربح التجاري وتحصيل الأموال، وتسليط الأضواء عليها هي من المواطنة الحقة، ويفترض محاسبة تلك الوسائل التي تتقاعس عن واجبها، وإعلان العقوبات بعد تشريعها، وهذه رسالة أوجهها بكل أسى لمعالي وزير الثقافة والإعلام لتفعيل دور الوزارة الذي بات يضمحل إلى درجة التلاشي.
كما اطلعت على بحث عن «دور هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في تعزيز الأمن الفكري» صادر عن الكرسي، وبحث آخر عن «مفهوم الأمن الفكري.. دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام»، مقدم لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لكنهما – كبقية أبحاثنا وسائر كتبنا– مصيرهما إلى الرفوف وليس إلى المكتبات والمجتمع، والمحصلة المحزنة انتفاء الفائدة وضياع الوقت وإهدار للجهد والمال.
ويبقى الدور على جامعاتنا، فبعد انتقاد معالي الدكتور محمد العقلا لعدم التكامل بين جهاتنا وذكر منها الشؤون الإسلامية والشؤون الاجتماعية والإعلام، لا أجد جامعاتنا عموما قد قامت بالدور المنوط بها كما ينبغي، وبخاصة تلك الجامعات المعنية بالأمن كجامعة نايف للعلوم الأمنية، والأمر ذاته ينطبق على التعليم وكافة الجهات كل بحسبه وبطريقته؛ فالقصور واضح جدا. وكان النتاج أن أظهرت دراسة حديثة أن 75% من المجتمع السعودي لا يستجيبون لمشروع نشر ثقافة الأمن الفكري، وأن 25% فقط لديهم تصور إيجابي عن المشروع!
إن من نافلة القول أن الأمن الفكري هو أساس الأمن الاجتماعي والأمن السياسي، وبه يمكن تحقيق السعادة للبشرية جمعاء، وتحقيقه في المجتمعات يتطلب الجهد المتواصل من أجل تنشئة الجيل على سلامة الفكر وقيمة الأمن وروح المسامحة والمسالمة، فبالأمن الفكري فقط يمكن بناء مجتمع متماسك وجيل مبدع ومنتج يسعد به الناس وتنهض به الأمة، فهل يتكاتف الجميع لكي يكون واقعا مشاهدا؟
aalqash.a@makkahnp.com
وفي تصوري أن أهم ما جاء في المحاضرة أمران، أولهما انتقاد عدم التكامل بين الجهات مما يجعل الجهود تذهب هباء، فكل جهة تعمل منفردة وفي معزل عن الجهة الأخرى، والمفترض أن تتكامل الجهود وتتضافر، ولا بأس من تكرار المتميز في مناطق عدة واستنساخ الأجود منها وتعميمه بحيث ينفذ من قبل الجهات الأخرى في أماكن عدة.
والأمر الآخر المطالبة بعلاج نفسي واجتماعي، حيث انتشرت بعض السلوكيات وظهرت بعض المستجدات، وركز المحاضر على قيمة الصدق، ومسؤولية الأسرة تجاه غرسها في أفرادها، وسرد قصة مع أحد طلابه غير السعوديين في جامعة أم القرى كان نتاجها اتهام إحدى الشخصيات بالنفاق الصريح؛ لأن الطالب عاش في بيئة تتصف بالصدق والأمانة، وذلك المسؤول يعد ويخلف مرارا وتكرارا.
إن من المؤلم أن يتردى حال المجتمع السعودي إلى هذا الحد، وقد أشار المحاضر إلى الأثر السلبي الذي خلفته برامج الجوال والتواصل الاجتماعي، وكيف أن المرء بات ينشغل بها حتى عن ذكر ربه والصلاة على الرسول الكريم عند نومه ويقظته، فأصبحت شغله الشاغل ليلا ونهارا.
وكم ازددت ألما عند بحثي في هذا الموضوع - والذي يشكل ملفا خطيرا يفترض أن يحظى بالاهتمام البالغ والعناية الفائقة - حين اكتشفت وجود كرسي علمي يحمل مسمى «كرسي الأمیر نایف بن عبدالعزیز لدراسات الأمن الفكري» بجامعة الملك سعود، وأنه أقام «المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري المفاھیم والتحدیات»، في منأى عن الأضواء الإعلامية، وأقولها ببالغ الأسف ومن واقع تجارب عملية إن إعلامنا بات تجاريا بحتا، فهو لا يغطي فعالية إلا بمقابل، وهذا مؤسف للغاية؛ فرسالة الإعلام أسمى من البعد التجاري والربح المادي، والوطن يستحق أن نبذل من أجله كل غال ورخيص، ومثل هذه المواضيع لا تندرج تحت الربح التجاري وتحصيل الأموال، وتسليط الأضواء عليها هي من المواطنة الحقة، ويفترض محاسبة تلك الوسائل التي تتقاعس عن واجبها، وإعلان العقوبات بعد تشريعها، وهذه رسالة أوجهها بكل أسى لمعالي وزير الثقافة والإعلام لتفعيل دور الوزارة الذي بات يضمحل إلى درجة التلاشي.
كما اطلعت على بحث عن «دور هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في تعزيز الأمن الفكري» صادر عن الكرسي، وبحث آخر عن «مفهوم الأمن الفكري.. دراسة تأصيلية في ضوء الإسلام»، مقدم لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لكنهما – كبقية أبحاثنا وسائر كتبنا– مصيرهما إلى الرفوف وليس إلى المكتبات والمجتمع، والمحصلة المحزنة انتفاء الفائدة وضياع الوقت وإهدار للجهد والمال.
ويبقى الدور على جامعاتنا، فبعد انتقاد معالي الدكتور محمد العقلا لعدم التكامل بين جهاتنا وذكر منها الشؤون الإسلامية والشؤون الاجتماعية والإعلام، لا أجد جامعاتنا عموما قد قامت بالدور المنوط بها كما ينبغي، وبخاصة تلك الجامعات المعنية بالأمن كجامعة نايف للعلوم الأمنية، والأمر ذاته ينطبق على التعليم وكافة الجهات كل بحسبه وبطريقته؛ فالقصور واضح جدا. وكان النتاج أن أظهرت دراسة حديثة أن 75% من المجتمع السعودي لا يستجيبون لمشروع نشر ثقافة الأمن الفكري، وأن 25% فقط لديهم تصور إيجابي عن المشروع!
إن من نافلة القول أن الأمن الفكري هو أساس الأمن الاجتماعي والأمن السياسي، وبه يمكن تحقيق السعادة للبشرية جمعاء، وتحقيقه في المجتمعات يتطلب الجهد المتواصل من أجل تنشئة الجيل على سلامة الفكر وقيمة الأمن وروح المسامحة والمسالمة، فبالأمن الفكري فقط يمكن بناء مجتمع متماسك وجيل مبدع ومنتج يسعد به الناس وتنهض به الأمة، فهل يتكاتف الجميع لكي يكون واقعا مشاهدا؟
aalqash.a@makkahnp.com