الرأي

نهاية العام.. موعدنا أيها الاقتصاديون!

محمد العوفي
هل سيكون هذا العام الأكثر سخونة في السياسية الاقتصادية السعودية؟ وهل سيكون الجسر الذي نعبر من خلاله للمرحلة القادمة التي طالما تحدثنا عنها طويلا؟ وهل ستكون هذه السياسات الاقتصادية هي نهاية اقتصاد المورد الواحد، هذه الأسئلة ولدت من رحم المماحكات الاقتصادية وورش العمل التي لا تهدأ منذ نهاية العام الماضي، وهي خلاصة ما يمكن أن يقوله ويتوقعه الاقتصاديون في مشارق الأرض ومغاربها قياسا على حجم الحراك الاقتصادي المعاش.

ففي العام الماضي، ولدت كثير من المبادرات الاقتصادية والمالية التي من شأنها إعادة بوصلة الاقتصاد إلى مسارها الصحيح، وتعديل الانحرافات السابقة، وبعد أن وضعت الخطط، وعقدت ورش العمل، وملأ الحديث عنها كل الأجواء، وهيئت كل الظروف للتطبيق والتنفيذ، بقي الحكم على نجاحها معلقا حتى حين.

قد يكون هذا العام - أقصد هنا العام المالي، وليس العام الهجري - هو عام الحكم المبدئي، وهو حكم ابتدائي قابل للاستئناف حتى تكتمل المرحلة، لكنه سيعطي انطباعا أوليا مهما حول الرؤى التي نتجت عن ورش العمل، وسيكون مؤشرا لمعرفة ما إذا كان الحراك الذي تعيشه كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات المعنية بالاقتصاد والمال يسير بالاقتصاد إلى الاتجاه الصحيح، أم إنه يدور في فلك الخطط والأمنيات.

والحديث عن هذا الحراك لا يمكن أن يتجاوز تنويع الاقتصاد إلى ما سواه، فهو يمثل قمة الهرم، ومن أجله جلبت وزارة الاقتصاد والتخطيط فرقا من الاستشاريين الاقتصاديين المحليين والدوليين، ودفعت ما يقارب نحو 1.2 مليار دولار لدراسات استشارية أجنبية كلها سعت لمعالجة تشوهات الاقتصاد، وشمرت عن سواعدها، ووعدتنا خيرا ووضعنا أيدينا بيدها، وكلنا أمل أن نرى بارقة أمل في نجاحها في تنويع الاقتصاد، وإخراجه من قبضة أسعار النفط وتقلباته، ومعالجة ملف الصناعات التحويلية البتروكيماوية واستغلال الثروات المعدنية والغاز الطبيعي، والتوسّع فيها ودعمها، إضافة إلى الذهب وغيره من المعادن الثمينة لخلق اقتصاد متقدم صناعيا، وبيننا وبين وزارة الاقتصاد نهاية العام لتقول لنا ما عملت خلال 12 شهرا الماضية؟ وأين وصلت؟ بالتأكيد، نعلم أن التنويع المنشود لن يحدث في عام أو عامين، ونحتاج إلى عشرات الأعوام، لكننا بحاجة لمعرفة حجم الإنجاز المرحلي لكل سنة كي تطمئن قلوبنا.

وفي أزمة الإسكان، لا يزال الجدل محتدما حول خططها والحلول التي وضعتها لحلحلة أزمة الإسكان، ومستوى الرضا العام عن أدائها يظل ضعيفا إلا من قبل شريحة معينة من الناس، والوزارة ضجيجها وحراكها يملآن المكان، سواء اتفقنا مع حراكها أو لا، فما تقوم به يدخل ضمن المبادرات الاقتصادية والمالية التي تسعى لوضع حلول مشاكلنا، رغم يقيني بأنها لا تزال في تخبطاتها، ولا تمتلك رؤية واضحة لحل المشكلة، لكني قررت الانتظار حتى ديسمبر المقبل لتعلن عن رؤيتها وتقويمها لبرامجها الإسكانية وخططها، فإما تكون أو لا تكون!

وأمام هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة ملف البطالة، وهو واحد من أكثر الملفات تعقيدا، فهي مطالبة بخلق فرص وظيفية تناسب نحو 650 ألف عاطل، معظمهم من العنصر النسوي، ونحو 350 ألف خريج سنوي تضخهم الجامعات والكليات إلى سوق العمل، إلى جانب أن السياسات الحالية التي تتبعها وزارة المالية في تأخير صرف مستحقات ومستخلصات الشركات المنفذة لمشاريع الحكومية قد يخلق تحديا جديدا لهذه الهيئة الوليدة، ستمثل في اتجاه الشركات إلى تسريح عدد من الموظفين بمن فيهم السعوديون، نتيجة عدم قدرة الشركات والمؤسسات على دفع مرتبات الموظفين، وبالتالي زيادة نسب البطالة، وهي بلا شك تركة ثقيلة بكل المقاييس، وتتطلب إعادة هيكلة سوق العمل ومعالجة تشوهاته، ونجاحها يعتمد بشكل أساسي على القدرة على تنويع الاقتصاد وقيام اقتصاد تصنيعي متطور.

أمامنا من الآن حتى نهاية العام قرابة عشرة أشهر، وهي مدة قصيرة بالعدد، لكنها قد تكون كبيرة بحجم الإنجازات، وكلي آمال أن يعقد في نهاية ديسمبر مؤتمر صحافي يجمع كل المعنيين بالاقتصاد والمال والإسكان، ويكونوا وجها لوجها مع الإعلاميين والمختصين ليقولوا لنا ماذا أنجزوا، فمن حقنا أن نعرف ونعلم أين يسيرون بنا!