"عكاظ".. وفكرة يابسة

سوق عكاظ، الفكرة الجبارة في استنطاق ذاكرة التاريخ والشعر العربي بتفصيلات كثيرة، تنعكس إيجابا على العصر الحديث بما تحدثه من حراك تفاعلي بين زمنين

سوق عكاظ، الفكرة الجبارة في استنطاق ذاكرة التاريخ والشعر العربي بتفصيلات كثيرة، تنعكس إيجابا على العصر الحديث بما تحدثه من حراك تفاعلي بين زمنين. ولعل عبقرية الفكرة تزداد وهجا ببعدها المكاني وإيحائها الشعوري، وبعدها الزماني العميق في الذاكرة. وبعيدا عن زمكانية المناسبة بوهجها العربي الكبير، وعبقريتها المتفردة، ثمة وقفات مهمة أمام هذه التجربة في نسخها السابقة من حيث منح الجوائز الشعرية، وإقامة الأماسي الإبداعية والندوات والمحاضرات، التي لا تتواءم وعبقرية الفكرة وأبعادها الزمكانية، فالفعاليات بحضورها الباهت وتقليديتها المستنسخة من روتين المؤسسات الثقافية لا تصنع اختلافا ولا تميزا، ولا تحرك في المشهد إلا إضافة رقم فعالية فقط. ولو فكر القائمون على السوق من لجان استشارية وإشرافية وتنفيذية بذهنية خالٍية، وعقلية خلاقة لا تؤمن بالتقليدية، لخرجوا بأفكار تنويرية جديدة، تجعل المؤسسات الثقافية تتهافت لاستنساخها وتطويعها للخروج من نفق التقليدية الذي ألقى بظلامه على جل الفعاليات الثقافية. فالمسابقة الشعرية على بردة شاعر عكاظ لا تعكس روح التنافسية بين الشعراء، ولا تخلق جو الحماس والترقب في الأوساط الثقافية، فلماذا لا يكون التنافس على أشده قبل وأثناء أيام السوق، ليكون منح بردة عكاظ في ختام الفعالية العربية الكبرى، لأنه الآن يحترق بعد الافتتاح. وعلى صعيد الشعر، لماذا لا تضرب خيام للمميزين من النقاد والشعراء العرب، يحج إليها المبدعون للاستشارة وعرض نتاجاتهم، ويفتح بين تلك الخيام مجالات وقنوات لمناقشة القضايا الأدبية والشعرية الحديثة في صخب إعلامي لافت؟كذلك مسرح عكاظ بذاته لا يتيح المجال للفرق المسرحية للإعداد لأعمال مسرحية تتنافس على نيل فرصة العرض المسرحي الأول، وفق المعايير التي تطرحها أمانة السوق، لتحظى بفرصة النقل المباشر إلى كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج. ثم إن تغييب صناع المشهد الثقافي، والتفرد بصناعة الحدث بعيدا عن وزارة الثقافة والإعلام ومؤسساتها الثقافية، والمؤسسات الثقافية العربية يوحي بشيء من الإقصائية التي يجب ألا يشعر بها المثقفون العرب في سوق عكاظ بكل ما يحمله من دلالات، وما يطمح إليه من خلق لُحمة عربية على الأقل أدبيا وثقافيا. في نظري أن السوق نجح في تحقيق هدفه الأول في إحياء المناسبة، لكنه إلى الآن لم ينجح في تقديمها بالشكل المؤثر، فإذا لم تسعَ أمانة السوق وعلى رأسها أمير منطقة مكة المكرمة بجدية في استقطاب جميع وسائل الإعلام العربية إلى هذه التظاهرة، وإعطائها أبعادا هدفها الأول تحريك رواكد الأدب العربي بجميع قضاياه، وإعادة الوهج لأدبنا الفصيح، فستتنازل الفكرة عن عبقريتها، وتذبل في ظلال التقليدية، فما ألاحظه الآن ليس إلا تراكمات توسعية بإضافة مرافق جديدة على أساس تقليدي خافت لا يقدم إلا ما تقدمه أي مؤسسة عادية. ولنتفق أن كل ما يقام في الجادة ليس إلا تكرارا لجنادرية مصغرة لا تخدم قضايا اللغة والفكر والأدب، ولا قضايا الأمة، وكان الأولى أن يكون نصفها على الأقل لعرض الكتاب، ومجالس علمية ونقدية حية، فليس كل محبي السوق من هواة الآثار الخشبية والجلدية والقماشية. أن تبني فكرة ومشروعا يجب ألا تركز على فكرة مسبوقة، وتظل هي الروتين السائد، وتضيف إليها فقط، بل يجب أن تخلق أفكارا مضيئة يتسابق الآخرون إلى منافستها، وأن تقيس الأثر الحقيقي لهذه الفكرة أو تتجاوزها إلى غيرها. alhelali.a@makkahnp.com