الأمن الفكري
الاحد / 26 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:30 - الاحد 6 مارس 2016 20:30
دعيت من قبل النادي الثقافي الأدبي بالمدينة المنورة؛ للمشاركة ببرنامجه الثقافي، وذلك من خلال إلقاء محاضرة عن (الأمن الفكري مفاهيمه وتحدياته) خلال الأسبوع الماضي، ويشكر النادي على اهتمامه بهذا الموضوع الحيوي، وهو موضوع تحصين المجتمع من هذا الداء الخطير الذي ابتليت به بعض المجتمعات، وفي مقدمتها المجتمعان العربي والإسلامي، وذلك بفعل فاعل يسعى إلى تسميم أفكار أفراد المجتمع، من خلال السيطرة على عقول الشباب وتشويه تصوراتهم وعقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم وآدابهم، ويحمل في طياته فكرا منحرفا يهدف إلى انسياق الشباب وراء الأفكار الهدامة التي تروج لها وسائل الإعلام المعادية، وأيضا وسائل التواصل الاجتماعي عبر المواقع الالكترونية.
ولا بد من مواجهة هذا الغزو الفكري من خلال تحصين المجتمع ووقايته، فالأمن الفكري في مضمونه الحقيقي يعني: اقتلاع جذور المؤثرات الفكرية المنحرفة، واجتثاث أصول الفكر الضال من عقول الناشئة والشباب، وإعادة غرس القيم والثوابت والمثل الإسلامية الصحيحة في هذه العقول، ثم تعهدها ورعايتها حتى تنمو وتزدهر في نفوسهم، وتظهر ثمارها في سلوكهم وتصرفاتهم ورشدهم العقلي.
والأمن الفكري يجب أن يبدأ من الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد بغرس ثوابت الدين في عقول الناشئة وأفئدتهم، تعزز الانتماء للوطن وتنمي داخل نفوس الأفراد أهمية الحفاظ على مقدراته ومكتسباته وقيمه الفاضلة. إن الأمن الفكري في مضمونه الحقيقي يعني نزع فتيل التشدد والغلو في الدين والتطرف في السلوك من فكر وعقول الشباب، بمختلف وسائل الإقناع والحجة النابعة عن رؤاهم ومقترحاتهم بعد الإصغاء إليهم وتلمس أسلوب وطريقة ومنهج تفكيرهم. ويعني إفساح المجال والميدان أمام الناشئة والشباب للتعبير عن ذواتهم في جو من الحوار المجتمعي الهادئ الهادف المحافظ على هوية المجتمع وثوابته، البعيد عن القضايا الفكرية التي تشكل مصدر تهديد للأمن الوطني ووجوده.
إن الأمن الفكري ليس سلعة أو خدمة يمكن إنتاجها محليا، أو استيرادها من الأسواق العالمية، وإنما هو ثمرة وحصاد لما يزرعه المجتمع في عقول أبنائه، وما يفعله الكبار وتراه أعين الصغار أو تسمعه، إنه نتيجة لمقدمات كثيرة منها:
المقدمة الأولى: عدم انفصال الكلمة عن السلوك، قال تعالى (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ). إن انفصال الكلمة عن السلوك هو النفاق العملي بعينه، والمنافقون والمنافقات، كما وصفهم عز وجل في قرآنه المجيد، (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)، والمنافقون لما في قلوبهم من مرض شهد الله عز وجل لهم بثلاث شهادات هي: أنهم كاذبون، قال تعالى (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ). وأنهم لا يفقهون، قال تعالى (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ). وأنهم لا يعلمون، قال تعالى (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
وهذه الشهادات تشير إلى أن انفصال الكلمة عن السلوك رأس كل خطيئة، فإن ثمرة هذا الانفصال هي وجود النفاق بين أفراد المجتمع، وإن مطابقة الكلمة للسلوك هي عماد الأمن الفكري، وتؤدي إلى تحقيق الاستقرار النفسي لدى الشباب حين يجدون أن ما يقال لهم من كلام يترجم إلى سلوك حميد وواقع ملموس أمام أعينهم.
المقدمة الثانية: لتحقيق الأمن الفكري والذي وردت به آيات القرآن الكريم فهي: إقامة العدل بين الأفراد، ودرء الظلم عنهم، وتنتهي هذه الآيات إلى أن المجتمع الذي يقيم أفراده العدل بينهم هم أحد الفريقين الأحق بالأمن، خلافا للفريق الآخر الذي يُلبس أفراده معاملاتهم بالظلم، فإنه تبعا لذلك غير جديرين بالتمتع بنعمة الأمن.
المقدمة الثالثة: لتحقيق الأمن الفكري أتت في سياق قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا)، وإذا كان العمل الصالح هو أحد الطريقين الموصلين إلى الأمن والأمان في الدنيا والاستخلاف في الأرض، فإن المعاصي هي الطريق الرئيس إلى الغواية والضلال، قال تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالا مُبِينا).
وهذه المقدمات الثلاث تقع المسؤولية فيها على الأسرة بصفة أساسية، وعليها أن تقوم بواجبها تجاه من اختصهم الله برعايتهم (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته)، فالأمن - بمعنييه المطلق والفكري - له مقدمات ضرورية، وعلى المجتمع بجميع أفراده ومؤسساته وهيئاته الأخذ بها والعمل بمقتضاها. وسأتناول في مقال قادم التحديات التي تواجه الأمن الفكري ووسائل مواجهتها، بإذن الله، والله الهادي إلى سواء السبيل.
aloqla.m@makkahnp.com
ولا بد من مواجهة هذا الغزو الفكري من خلال تحصين المجتمع ووقايته، فالأمن الفكري في مضمونه الحقيقي يعني: اقتلاع جذور المؤثرات الفكرية المنحرفة، واجتثاث أصول الفكر الضال من عقول الناشئة والشباب، وإعادة غرس القيم والثوابت والمثل الإسلامية الصحيحة في هذه العقول، ثم تعهدها ورعايتها حتى تنمو وتزدهر في نفوسهم، وتظهر ثمارها في سلوكهم وتصرفاتهم ورشدهم العقلي.
والأمن الفكري يجب أن يبدأ من الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد بغرس ثوابت الدين في عقول الناشئة وأفئدتهم، تعزز الانتماء للوطن وتنمي داخل نفوس الأفراد أهمية الحفاظ على مقدراته ومكتسباته وقيمه الفاضلة. إن الأمن الفكري في مضمونه الحقيقي يعني نزع فتيل التشدد والغلو في الدين والتطرف في السلوك من فكر وعقول الشباب، بمختلف وسائل الإقناع والحجة النابعة عن رؤاهم ومقترحاتهم بعد الإصغاء إليهم وتلمس أسلوب وطريقة ومنهج تفكيرهم. ويعني إفساح المجال والميدان أمام الناشئة والشباب للتعبير عن ذواتهم في جو من الحوار المجتمعي الهادئ الهادف المحافظ على هوية المجتمع وثوابته، البعيد عن القضايا الفكرية التي تشكل مصدر تهديد للأمن الوطني ووجوده.
إن الأمن الفكري ليس سلعة أو خدمة يمكن إنتاجها محليا، أو استيرادها من الأسواق العالمية، وإنما هو ثمرة وحصاد لما يزرعه المجتمع في عقول أبنائه، وما يفعله الكبار وتراه أعين الصغار أو تسمعه، إنه نتيجة لمقدمات كثيرة منها:
المقدمة الأولى: عدم انفصال الكلمة عن السلوك، قال تعالى (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ). إن انفصال الكلمة عن السلوك هو النفاق العملي بعينه، والمنافقون والمنافقات، كما وصفهم عز وجل في قرآنه المجيد، (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)، والمنافقون لما في قلوبهم من مرض شهد الله عز وجل لهم بثلاث شهادات هي: أنهم كاذبون، قال تعالى (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ). وأنهم لا يفقهون، قال تعالى (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ). وأنهم لا يعلمون، قال تعالى (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
وهذه الشهادات تشير إلى أن انفصال الكلمة عن السلوك رأس كل خطيئة، فإن ثمرة هذا الانفصال هي وجود النفاق بين أفراد المجتمع، وإن مطابقة الكلمة للسلوك هي عماد الأمن الفكري، وتؤدي إلى تحقيق الاستقرار النفسي لدى الشباب حين يجدون أن ما يقال لهم من كلام يترجم إلى سلوك حميد وواقع ملموس أمام أعينهم.
المقدمة الثانية: لتحقيق الأمن الفكري والذي وردت به آيات القرآن الكريم فهي: إقامة العدل بين الأفراد، ودرء الظلم عنهم، وتنتهي هذه الآيات إلى أن المجتمع الذي يقيم أفراده العدل بينهم هم أحد الفريقين الأحق بالأمن، خلافا للفريق الآخر الذي يُلبس أفراده معاملاتهم بالظلم، فإنه تبعا لذلك غير جديرين بالتمتع بنعمة الأمن.
المقدمة الثالثة: لتحقيق الأمن الفكري أتت في سياق قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا)، وإذا كان العمل الصالح هو أحد الطريقين الموصلين إلى الأمن والأمان في الدنيا والاستخلاف في الأرض، فإن المعاصي هي الطريق الرئيس إلى الغواية والضلال، قال تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالا مُبِينا).
وهذه المقدمات الثلاث تقع المسؤولية فيها على الأسرة بصفة أساسية، وعليها أن تقوم بواجبها تجاه من اختصهم الله برعايتهم (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته)، فالأمن - بمعنييه المطلق والفكري - له مقدمات ضرورية، وعلى المجتمع بجميع أفراده ومؤسساته وهيئاته الأخذ بها والعمل بمقتضاها. وسأتناول في مقال قادم التحديات التي تواجه الأمن الفكري ووسائل مواجهتها، بإذن الله، والله الهادي إلى سواء السبيل.
aloqla.m@makkahnp.com