الرأي

أرقام مواقع التواصل ليست كل شيء

u0639u0628u062fu0627u0644u0639u0632u064au0632 u0627u0644u062eu0636u0631
لن نستطيع اليوم فهم حركة الأفكار والتوجهات في المجتمع السعودي بدون الاستعانة بمواقع التواصل وشبكة الانترنت، ولا يمكن تصور حقيقة وطبيعة العراك والسجال وتغير الرؤى الاجتماعية والسياسية والدينية دون أن نملك خبرة وقدرة تحليلية على فهم حقيقة ما يحدث، فالأرقام وحدها والشكل الظاهري ليس كافيا للفهم.

قبل أيام بدأ موقع (بي بي سي) بنشر سلسلة خاصة بعنوان: «السعوديون على شبكات التواصل الاجتماعي»، حيث يستكشف قسم المتابعة الإعلامية بالتعاون مع بي بي سي ترند ثلاثة مواضيع شائعة على الانترنت في المملكة وهي: العقيدة والحرية والمرح، «ويشير بأنه» على مدى العامين الماضيين، غطت بي بي سي ترند العديد من القصص والهاشتاقات التي انتشرت في المملكة العربية السعودية. ولاحظنا أن مستوى الانخراط على القصص عبر الانترنت، وخصوصا عبر تويتر، يفوق أي دولة عربية أخرى!

«مشكلة هذه التقارير الصحفية المتكررة حتى في مواقع عالمية رصينة، أنها تفتقد للوعي بحقيقة الداخل السعودي وطبيعته، وهي تقارير ودراسات ذات مضمون شكلي تنخدع بمعطيات معينة، ولهذا تجد التقارير الصحفية الأجنبية ضعيفة في تحرير وفهم الواقع الافتراضي والحقيقي لمجتمعنا».

في تقرير آخر للموقع نفسه بعنوان «نجوم مواقع التواصل الاجتماعي» حيث توقف عند أربع من الشخصيات الدينية، بطريقة تعبر عن عدم فهم لهذه القوى في مواقع التواصل واختيارها، فقد همشت شخصيات ذات أرقام أقل بكثير لكن آراءها ذات أهمية خاصة كقوى جديدة، فعبدالعزيز الطريفي الذي لم يصل عدد متابعيه إلى المليون رأيه فقهيا أكثر أهمية وتأثيرا من العريفي الذي تجاوز 14 مليونا، وأهمية سلمان العودة تعادل كثيرا من الوعاظ المشاهير، ومرجعية صالح الفوزان التي ليس لها وجود بتويتر أقوى من الكثير من المرجعيات الموجودة فيه.

قوة تأثير الشخصيات في المجال الديني أو مجال رياضي وثقافي لا يمكن اختزالها بأرقام المتابعين فقط. الرقم هو مجرد مؤشر وحيد من عدة عوامل يجب إدراكها، فعدد المتابعين في مواقع التواصل لكل شخصية ومجال بحاجة لتحرير العوامل التي صنعت هذه الأرقام عمليا وتاريخيا، وتأثير إدارة هذه الحسابات. وكثير من الدعاة تشتغل حساباتهم على شكل مؤسسة دعوية وليست عملا فرديا ودعمها من الجمهور لهذا السبب.

ومن أهم ملامح التأثير المهملة أنه يمكن لمقطع أو تغريدة مهمة بسخريتها أو بمعلومة فاضحة.. حتى وإن كانت صادرة من حساب غير معروف لم يصل الألف الأول بعد، فقد تبلغ الآفاق وتؤثر على الرأي العام.. إذا كانت تخدم طرفا أو جهة لأنها تتضمن فضيحة أو هجوما فإنه سيصل للجميع بعدة طرق حيث سيتبرع الاتجاه المستفيد بنشرها، المشاهير فقط يسرعون عملية النشر بساعات.

مؤشر الضجة الأسبوعي حول كثير من المواضيع يحتاج من المراقب مهارة التمييز بين المفتعل والحقيقي، ومدى عمقه في المجتمع ويمثل من!؟ فهم أطراف اللعبة وأساليب الخداع هو متابعة تراكمية مستمرة، تعرف تأثير الشخصيات والمعرفات وتوجهاتها، بمعزل عن الأرقام التي يمكن التأثير عليها أو التلاعب بها.

بمرور السنوات أصبح لدينا مؤشرات ضجة شبه أسبوعي متكررة في التعبير عن الرأي حول قضايا ومواضيع معينة، ويشاركهم في ذلك كتاب الصحف الذين تعتمد مقالاتهم على ملاحقة الضجة وليس ابتكار وصنع المواضيع والقضايا، بعض هذه القضايا تبدو ثابتة تعود للنقاش والسجال مرات ومرات عديدة منذ سنوات طويلة، مع كل صورة أو مقطع فيديو جديد، فيحدث أحيانا تطور بالفكرة، بسبب مستجدات، وبعضها يتكرر بصورة مملة لأنها بانتظار قرار وحسم لم يأت بعد. لم تعد الكثير من هذه القضايا بنفس حيويتها السابقة، كموضوعات السينما والهيئة وقيادة المرأة للسيارة .. إلخ، لأن كثيرا منها لم تعد مشكلتها مشكلة رأي تنويري أو رأي محافظ أو حتى مواقف.

اليوم من النادر وجود قضايا جديدة، بحاجة إلى آراء مبتكرة وأفكار خلاقة ومواقف خاصة، فأغلبها مقولات مكررة لا يتغير فيها سوى مستوى السخرية وقوته، فحجم المؤيد والمعارض يبدو واضحا وحتى الذين اختاروا عدم المشاركة بمهاترات مكررة لا جدوى منها.

لقد اكتشفت العديد من الجهات والتيارات إمكانية التلاعب والتأثير بالهاشتقات التي ضدهم عبر تخريبها بعدة وسائل، ولهذا تجد أحيانا بعض القضايا التي تثار هي أصلا للتغطية على موضوع مثير للحساسية عند طرف آخر. يمكن معرفة أن هذا الموضوع تمت صناعته بوعي مسبق ومقصود من جهة معينة، عندما تكثر في بدايته المعرفات الوهمية التي تحاول إنجاحه في البدايات ونوعية توجهها. وحتى تسويق بعض التغريدات والمقالات له أساليبه التي تؤثر على عفوية الأرقام ومعدل الرتويتات له، وفقا لشلة الكاتب ونشاطاته القروبية في تسويق ما يكتب، فقد تشكلت في مواقع التواصل ما يشبه التكتلات الفردية الأصغر بالنفع المتبادل تحت التوجهات الأكبر التقليدية.

بعد مرور زمن طويل أصبح يمكن فهم الطريقة التي تعمل وتدار بها معارك توجيه الرأي الكترونيا، وأساليب التسويق والتشويش، وهي أدوات تتطور منذ مرحلة المنتديات وما بعدها. قوة حضور هذه المواقع في مجتمعنا واضطرار الأغلبية الساحقة إلى اللجوء إليها متابعا أو مشاركا، بما فيهم صناع القرار في مجالات متعددة، بالرغم من إمكانية التلاعب بها.. هو نتيجة ضعف مصداقية وجاذبية الكثير من المؤسسات الأخرى في المجتمع، مقارنة بمجتمعات ودول أكثر تقدما في قياس الرأي، وقنوات التوجيه.