الرأي

«أوتيت جوامع الكلم»

تفاعل

لا شك ولا ريب وليس بغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح العرب لسانا وأبلغهم بيانا، ومن المعلوم أن العرب أهل لغة وفصاحة وبيان ورجاحة، وكانوا يعنون بالجانب البلاغي اللفظي والمعنوي عناية فائقة، سواء كان في شعرهم أو خطبهم، حيث إن الخطيب والشاعر المجيد عندهم له مكانة كبرى وشأن وتمجيد، فأصبحوا يتكلفون القول ويقصدون تزيين الكلام بألوان البيان وزخارف البديع والتبيان، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فطبع على رائق الكلام فهو على السليقة اللغوية لا يتكلف في حديثه ولا يسعى لتزيينه وتحديثه بالترصيع والتصنيع والتلميع كما كانوا يفعلون، وإنما كان لا يزيد في مقدار البلاغ في المعنى المراد إبلاغه حتى إن من يستمع أو يقرأ حديث الرسول يدرك معناه ويفهم فحواه لاجتماع الكلام وقلة الألفاظ مع اتساع في المعنى والأغراض وإحكام بارع في الأسلوب من غير تكلف منسوب، وإظهار المعنى بكل أجزائه والمقصود بإيجازه، وهذا ظاهر جلي في جميع ألفاظ الحديث النبوي الشريف.

وقد تفوق الرسول صلى الله عليه وسلم بحديثه الشريف على جميع أحاديث البلغاء والفصحاء والخطباء النجباء أهل الصنعة اللغوية من عهده إلى قيام الساعة، وذلك لأمرين الأول أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أفصح من وجد على الأرض من البشر، وذلك بما حباه الله من صفات ومميزات الكمال البشري والتي لا تتوفر في غيره، وبما اصطفاه الله به حيث قال عن نفسه: أوتيت جوامع الكلم.

والأمر الثاني: أن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله إلا أنه ليس مثل القرآن يتعبد بتلاوته لقوله ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، والمقصود بمثله معه أي الحديث القدسي والسنة المطهرة، إذ كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).