الرأي

حكاية حسن وحكاية إعلامنا الخارجي

سليمان الضحيان
آثرت أن أتأخر في الكتابة عن فيلم (حكاية حسن) حتى تهدأ العاصفة التي أثارها؛ إذ لم أشأ أن تصنف مقالتي على أنها استغلال لعواطف جمهور واسع استاء من ذلك الفيلم، فتكون الكتابة كأنها تقرب من الجمهور، فمقالتي – في زعمي – قراءة موضوعية لبعض الخطوط العريضة التي يخرج المشاهد بها من مشاهدة بعض قنواتنا الفضائية الخارجية، وستكون مقالتي في فقرات.

(1) في البدء لا بد أن نفرق في حكمنا على الإعلام السعودي الفضائي بين المملوك ملكية خاصة لأفراد، وبين المملوك للدولة أو الممول منها، فذو الملكية الخاصة من البدهي أنه يعبر عن رؤية صاحبه ومصالحه، وأما المملوك للدولة أو الممول منها فيجب أن يكون خاضعا لرؤية الدولة وأهدافها من تأسيسه أو تمويله، وألا يخضع للرؤية الخاصة للقائمين عليه، لكن الملاحظ أن بعض القنوات تكاد رؤيتها تعبر عن رؤية القائمين عليها، فتعاملها مع التيارات الفكرية، والأحزاب السياسية، ومعايير اختيار الضيوف، وطريقة التعبير في الأخبار والتحقيقات والتقارير تكون متطابقة تماما مع رؤية القائمين على القناة، وهذا التطابق لا حرج فيه إذا كان يخدم الهدف الذي من أجله أنشئت أو مُوِّلت القناة، لكنه في أحيان كثيرة لا يكون منسجما مع الهدف؛ فيستعدي قطاعات كبيرة من جماهير بلدان عربية نحن في أمس الحاجة إليها للوقوف معنا في قضايانا كمثل حربنا في اليمن، وصراعنا مع إيران، ولئلا يكون حديثي عائما أضرب مثالا واحدًا على ذلك، وهو الموقف من قضية فلسطين، فقضية فلسطين تظل هي القضية الأولى للأمة العربية والإسلامية، وهي القضية التي تحظى بإجماع الأمة كلها بجميع تياراتها وطوائفها وأعراقها، وهي معيار الولاء للأمة، وهذه الحقيقة فطنت لها إيران، فاستثمرت فيها ببراعة إعلامية منقطعة النظير بتغطياتها المكثفة لأخبار فلسطين والفلسطينيين حتى تُرسِّخ في الوجدان الشعبي العربي والإسلامي قيادتها للنضال ضد إسرائيل، وفي المقابل مع أهمية قضية فلسطين، ومركزيتها في الوجدان الشعبي العربي، ومع الموقف السعودي الرسمي المشرف منها، مع كل هذا نجد أن بعض إعلامنا الفضائي الخارجي له موقف ملتبس وغامض من قضية فلسطين، حتى يصل الأمر أنه يرفض تسمية من يستشهد من الفلسطينيين على يد الصهاينة شهيدًا، وأذكر أنه في أحد المؤتمرات التي حضرتها في المغرب وفي حديث جانبي مع بضعة مشاركين من ذوي التوجهات العلمانية الخالصة أبدوا غضبهم الشديد من موقف إعلامنا الفضائي من قضية فلسطين، وكنت أدافع ما استطعت بالقول إن رؤية القائمين عليه ليست ضد القضية الفلسطينية، وإنما هي رؤية إعلامية يتبنونها في كيفية معالجة الأخبار، لكن دفاعي لم يثمر.

(2) السعودية اليوم رأس حربة في النضال العربي ضد مشروع الهيمنة الإيرانية، فهي تقود حربا شرسة ضد الانقلابيين في اليمن، وتدعم الثورة في سوريا، أي أننا نعيش ظروفا طارئة تستدعي التحشيد وخلق رأي عام وطني، وكسب الرأي العام العربي، وهذا يتطلب من إعلامنا الفضائي المساهمة بهذه المهمة، لكن مما يلحظ أن إعلامنا الفضائي اكتفى بزيادة الجرعة الإعلامية في الحديث عن هذه القضايا، لكنه بقي على تقوقعه على نفسه وعلى ضيوفه المتفقين معه تماما في كل رؤيته الفكرية، وهذا – بلا شك – قصور شديد جدا في فهم الخطاب الإعلامي وقت الأزمات؛ إذ إن المهمة الواجبة على إعلامنا الفضائي في قت الأزمات هي المساهمة في تكوين رأي عام مساند لنا يشمل أكبر شريحة ممكنة في كل العالم العربي، وهذا لا يتأتى إلا بالانفتاح على كل التيارات والرموز الثقافية بكل تنويعاتها المختلفة خاصة الرموز التي تملك حضورا جماهيريا كبيرًا، فالمفترض استقطابهم، ولو كانوا يختلفون مع القائمين على القناة فكريا؛ إذ إن معالجة القضايا الوطنية في وقت تلك الأزمات يجب أن تتعالى على كل خلاف مهما كان.

(3) فيلم (حكاية حسن) الذي عرضته إحدى القنوات الفضائية أثار دهشة مناصري القناة التي عرضته، ونقمة معارضي القناة، وإذا تجاوزنا الحملة الشرسة التي شُنَّتْ ضد القناة والقائمين عليها - إذ إن جزءًا منها يعبر عن موقف أيديلوجي منحاز ضد القائمين عليها - فإن التساؤل يظل مطروحا عن سبب هذه الهفوة التي وقعت فيها القناة؛ إذ لا يمكن الطعن بوطنية القائمين عليها، وموقفهم المناهض لحزب الله، وقد سبق أن أثارت تعجبي اللقطات المختارة من الخطابات الحماسية التي يلقيها حسن نصر الله، وعبدالملك الحوثي، والتي تذيعها تلك القناة في نشرات الأخبار أو التقارير في الحديث عن حرب اليمن قبل أشهر؛ إذ إنها مختارة باحترافية لتوصيل رسالة «أن حزب الله مع الشعب اليمني الذي يعامله السعوديون باحتقار، وأن الحوثيين يمثلون طليعة المتمردين على الهيمنة السعودية التي تحرص على بقاء اليمن متخلفا»، وقد كتبت آنذاك عدة تغريدات في تويتر متسائلا ومتعجبًا من اختيار تلك اللقطات، فهي تؤدي عكس ما تريد القناة إيصاله للمشاهدين، وجاء عرض فيلم (حكاية حسن) ليكمل الحيرة والتساؤل، ولا يمكن تفسير هذا التساؤل إلا أن ثمة لوبيًّا أجنبيًّا في القناة متعاطفا مع حزب الله، وقضايا حزب الله، فيمرر ما يريد بطريقة احترافية، ويقلل قدر ما يشاء من حدة خطاب القناة ضد ممارسات حزب الله وميليشياته، وهذا يطرح التساؤل الأكبر، وهو غياب المواهب الوطنية عن مجال الإنتاج؛ إذ لدينا كوادر وطنية تنتظر الفرصة، وخير شاهد على ذلك البرنامج الرائع (على خطى العرب)، الذي أبدعته أيدٍ وطنية، وكسب إعجاب الجمهور على امتداد العالم العربي، والحديث عن غياب الكوادر الوطنية في إعلامنا الفضائي الخارجي يحتاج لمقالات مطولة.

aldahian.s@makkahnp.com