البراغماتية السعودية
الاثنين / 20 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:00 - الاثنين 29 فبراير 2016 20:00
البراغماتية السعودية أربكت كثيرين من حلفائها قبل خصومها في أكثر من ملف، حيث مثلت جزئية حيوية في عملية صنع القرار وآلياته التنفيذية دونما أي مساس بأهدافها الاستراتيجية. وأولها فرض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بما يتناسب والمصالح العربية والإسلامية المستدامة، ثانيها الاستمرار في برامج التنمية الوطنية (إعادة هيكلة الاقتصاد وإدارة الموارد بما يضمن استمرارية النمو، فلسفة الإدارة والتشريع، التنمية الاجتماعية والمعرفية)، وثالثها رفع وتيرة التكامل الخليجي من خلال البرنامج الذي أقر في قمة الرياض الأخيرة.
إن الدور السعودي في التحفيز على تحقيق وقف لإطلاق النار في سوريا - حتى وإن كان «هشا» - قد مثل أهم نجاحات سياسة المملكة الخارجية منذ تأسيسها التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وإطلاقها لرعد الشمال دفع بكل الأطراف ذات المصلحة إلى الإقرار بعدم جدوى الاستمرار باستراتيجية «حافة الهاوية» العبثية القائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. إلا أن نجاحها الشرق أوسطي لم يقتصر على ذلك فقط، بل امتد لإحداث تقارب سعودي تركي سيطال أكثر من ملف، وذلك التقارب صوره البعض انقلابا على ثوابت السعودية السياسية، فقط لعجز ذلك البعض في الاستقراء الاستراتيجي. فالتوافق السعودي التركي حيوي في تحقيق أو فرض الاستقرار كاستحقاق ذي أولوية قصوى، والتوافقات أجدى من التباينات في تحقيق ذلك.
النقلة في العلاقات السعودية التركية انطلقت من المفهوم الأوسع لأهمية استقرار المنطقة وللحد من أخطار الفراغ السياسي، فالأتراك على يقين بضرورة ترحيل بعض الملفات وتقديم أخرى لما في ذلك من خدمة أكبر لمصالحهم القومية. والرئيس إردوغان قرأ الرسالة الصينية بوضوح عندما اختار الرئيس بينج الرياض لتكون محطته الأولى قبل القاهرة وطهران. كذلك كان في تردد حلف الناتو في الوقوف إلى جانب تركيا بشكل واضح من الاستفزازات الروسية عامل مساعد. أما العامل الأخير فقد تمثل في الموقف الأمريكي من بعض التنظيمات الكردية، وما قد يؤول إليه الحال في حال تحول الهدنة «الموقتة» إلى حالة وقف إطلاق نار «دائمة». لذلك اختارت أنقرة ترحيل الملفات الخلافية مع الرياض لحاجتها لحليف قادر على الوفاء بالتزاماته، فقد استطاعت عبر التحالف العربي والتحالف الإسلامي إعادة صياغة موقف غير مسبوق منذ حرب تحرير الكويت.
والقرار التركي بالانضمام للتحالف حتى وإن كان حسب تفاهمات ثنائية، إلا أنه سوف يكون متناسبا ومصلحة للطرفين. هذا التقارب سيمثل نقطة اختراق لملفات عدة ليس أولها الملف الكردي لما له من إرث تاريخي وجغرافي، وللأتراك حساسية مفرطة تجاه الملف الكردي، وينظرون بتوجس لكل طرف يقترب منه. لكن التعاطي السعودي مع الملف السياسي العراقي كان أحد العوامل المساعدة على طمأنة الأتراك وتسريع عملية التقارب السعودي التركي.
لذلك سارعت المملكة في الاستثمار في الموقف سياسيا عبر نشرها مقاتلات من فئتي F-15E/S الضاربة والمتعددة المهام في قاعدة إنجرليك التركية، ونشر الإمارات لعدد قد يكون مماثلا من مقاتلاتها من فئة F-16Blk60 متعددة المهام. تلك الخطوة لها دلالاتها السياسية الواضحة والتي لم تكن خافية على الجميع، خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، هذا أولا، أما ثانيا فإنها تظهر بشكل جلي الإرادة السياسية لدول المنطقة في دعم وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
الملك سلمان بن عبدالعزيز استطاع إيصال رسائله دون لبس بشكل مباشر أو عبر وزرائه في كل الشؤون والملفات. فعندما اعتقد البعض أن المملكة تعيد رسم استراتيجية تحالفاتها مع قطبي الشمال، واشنطن وموسكو، اتضح للجميع خطأ ذلك التقدير، فعلاقات المملكة الآن تقوم على مبدأ خدمة المصالح السعودية، والسعودية الخليجية، والعربية الإسلامية. وأنها قادرة على ممارسة الدبلوماسية بكل أدواتها بما في ذلك «الدبلوماسية خارج الغرف المغلقة».
aljunaid.a@makkahnp.com
إن الدور السعودي في التحفيز على تحقيق وقف لإطلاق النار في سوريا - حتى وإن كان «هشا» - قد مثل أهم نجاحات سياسة المملكة الخارجية منذ تأسيسها التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وإطلاقها لرعد الشمال دفع بكل الأطراف ذات المصلحة إلى الإقرار بعدم جدوى الاستمرار باستراتيجية «حافة الهاوية» العبثية القائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. إلا أن نجاحها الشرق أوسطي لم يقتصر على ذلك فقط، بل امتد لإحداث تقارب سعودي تركي سيطال أكثر من ملف، وذلك التقارب صوره البعض انقلابا على ثوابت السعودية السياسية، فقط لعجز ذلك البعض في الاستقراء الاستراتيجي. فالتوافق السعودي التركي حيوي في تحقيق أو فرض الاستقرار كاستحقاق ذي أولوية قصوى، والتوافقات أجدى من التباينات في تحقيق ذلك.
النقلة في العلاقات السعودية التركية انطلقت من المفهوم الأوسع لأهمية استقرار المنطقة وللحد من أخطار الفراغ السياسي، فالأتراك على يقين بضرورة ترحيل بعض الملفات وتقديم أخرى لما في ذلك من خدمة أكبر لمصالحهم القومية. والرئيس إردوغان قرأ الرسالة الصينية بوضوح عندما اختار الرئيس بينج الرياض لتكون محطته الأولى قبل القاهرة وطهران. كذلك كان في تردد حلف الناتو في الوقوف إلى جانب تركيا بشكل واضح من الاستفزازات الروسية عامل مساعد. أما العامل الأخير فقد تمثل في الموقف الأمريكي من بعض التنظيمات الكردية، وما قد يؤول إليه الحال في حال تحول الهدنة «الموقتة» إلى حالة وقف إطلاق نار «دائمة». لذلك اختارت أنقرة ترحيل الملفات الخلافية مع الرياض لحاجتها لحليف قادر على الوفاء بالتزاماته، فقد استطاعت عبر التحالف العربي والتحالف الإسلامي إعادة صياغة موقف غير مسبوق منذ حرب تحرير الكويت.
والقرار التركي بالانضمام للتحالف حتى وإن كان حسب تفاهمات ثنائية، إلا أنه سوف يكون متناسبا ومصلحة للطرفين. هذا التقارب سيمثل نقطة اختراق لملفات عدة ليس أولها الملف الكردي لما له من إرث تاريخي وجغرافي، وللأتراك حساسية مفرطة تجاه الملف الكردي، وينظرون بتوجس لكل طرف يقترب منه. لكن التعاطي السعودي مع الملف السياسي العراقي كان أحد العوامل المساعدة على طمأنة الأتراك وتسريع عملية التقارب السعودي التركي.
لذلك سارعت المملكة في الاستثمار في الموقف سياسيا عبر نشرها مقاتلات من فئتي F-15E/S الضاربة والمتعددة المهام في قاعدة إنجرليك التركية، ونشر الإمارات لعدد قد يكون مماثلا من مقاتلاتها من فئة F-16Blk60 متعددة المهام. تلك الخطوة لها دلالاتها السياسية الواضحة والتي لم تكن خافية على الجميع، خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، هذا أولا، أما ثانيا فإنها تظهر بشكل جلي الإرادة السياسية لدول المنطقة في دعم وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
الملك سلمان بن عبدالعزيز استطاع إيصال رسائله دون لبس بشكل مباشر أو عبر وزرائه في كل الشؤون والملفات. فعندما اعتقد البعض أن المملكة تعيد رسم استراتيجية تحالفاتها مع قطبي الشمال، واشنطن وموسكو، اتضح للجميع خطأ ذلك التقدير، فعلاقات المملكة الآن تقوم على مبدأ خدمة المصالح السعودية، والسعودية الخليجية، والعربية الإسلامية. وأنها قادرة على ممارسة الدبلوماسية بكل أدواتها بما في ذلك «الدبلوماسية خارج الغرف المغلقة».
aljunaid.a@makkahnp.com