الإعلام بين المصداقية والتأويل
مكيون
الاثنين / 20 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:00 - الاثنين 29 فبراير 2016 20:00
تعتبر المؤسسة الإعلامية أعرق المؤسسات المهنية؛ فقد نشأ الإعلام بنشأة الإنسان نفسه ورغبته في بث رسائل للآخرين، وبدأت الكتابة على جدران الكهوف وأوراق البردي، والأحجار وجلود الحيوانات.
ولكن من أهم ما يميز تلك الكتابات هو التعبير عن حضارة المجتمع، وبث رسائل قيمة ظلت مصدرا من مصادر المعرفة الإنسانية، تنبئنا عن حضارات إنسانية وثقافات تلك المجتمعات، وهي كنز يكتشفه علماء الآثار والحفريات يوما بعد يوم..
وبتطور وسائل الإعلام وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تنوع وتعدد فمنها المقروء والمسموع والصورة، بل وصلت إلى الإعلام الحديث الذي ساهم في الانفجار المعرفي، ونقل المعلومة في ثوان معدودة إلى أرجاء الكرة الأرضية، ولكن أهم ما يميز هذا العصر - الأغبر - هو انقلاب معايير البث الإعلامي كافة، التي يفترض فيها الشفافية والمصداقية، وأن يحمل الإعلامي رسالة هادفة مع الدقة والأمانة عند بث الأخبار، ولكن وللأسف نجد أنه تلاشت معظم هذه المعايير، وأصبح مدى الإثارة في مضمون الخبر وما يحققه من أرباح لدخل الصحيفة أو القناة الإعلامية هما الهدف الأساسي.
بل أضحى الإعلام الحديث المسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي في تويتر والفيس بوك، والواتس اب - الأكثر شعبية - يتفنن روادها في بث الأراجيف والأخبار الكاذبة والملفقة وقلب الحقائق وكل الموازين الأخلاقية والمنطقية والعقلانية مما يجعلها فتنة يكون فيها الحليم حيران.
وأجمل تعبير عن هذا الإعلام ما وصلنا مؤخرا من صورة لسمكة يحملها ثعبان في فمه ويقول التعليق «الثعبان الشجاع أنقذ السمكة من الغرق»، نعم هكذا هو الإعلام في بعض قنواته هذه الأيام، وليس أدل على ذلك من شواهد عشناها وأصبحت قضية رأي عام، ومنها ما عرضته إحدى القنوات الفضائية الخليجية لداعية إسلامي تبتر فيه كلماته بترا، لتلصقها في محتوى ينافي أصل وتعاليم الدين الإسلامي وفكر الداعية نفسه، الوسطي المتزن، لتوقعه في براثن الخطأ؛ بالتقليل من مكانة المرأة وإعطاء الرجل حقا مطلقا للضرب، وذلك لتشويه سمعته في نظر مشاهديه من جماهير العالم الإسلامي!
بل إن بعض وسائل الإعلام لا تكتفي بالتشويه وقلب الحقائق، بل تتحين الفرص لتضخيم المشكلات في بالونات إعلامية لإظهار السلبيات الاجتماعية وتحويلها إلى قضايا لإثارة الرأي العام، ومنها ما ظهر في قضية ضرب المعلم للطالب في مدرسة الموهوبين - ومع رفضنا للمشهد تماما، وأنه سلوك غير تربوي - ولكن إظهار المعلم بمظهر الذليل واعتذاره للطالب وحوله هيئة التعليم (الموقرة) في منظر أقل ما يوصف بأنه إهدار لكرامة المعلم وإهانته وسقوط هيبته، وهو الذي كاد يوما أن يكون رسولا!
لماذا نركز على السلبيات دائما وننشرها فيراها العالم كله، ونكرس بأنفسنا نظرة العالم لنا بأننا مجتمع متخلف! نحن نريد على العكس أن نمحو - الصورة النمطية - التي ألصقت بنا شرقا وغربا بأننا شعوب غير متحضرة، وأن البترول هو الذي انتشلنا من الفقر والمجاعة، ولكن - وللأسف - لا نزال نعيش الهمجية السلوكية بابتعادنا عن قيمنا الأخلاقية التي تدعو للستر وعدم فضح الناس.
حتما إننا لا نعني تجاهل الأخطاء في المجتمع، ولكن علاجها بحكمة وروية ووفق القنوات النظامية، وليس بالنشر غير المنضبط. إن المسؤولية الإعلامية العظمى أن يتحرى الإعلامي الدقة في نقل الخبر؛ لأن أي تزييف للحقائق سيفقد الإعلامي مصداقيته أمام الجمهور، بل وحتى الخطأ غير المقصود قد يكلف الإعلامي سمعته ومكانته ومكانة القناة الإعلامية.
بل إن ذلك يخلق إثارة للدعاوى القضائية، فإن للإعلامي حدودا معينة في نقل الخبر، وأي تشويه للحقائق فإن الملاحقات القانونية ستطاله، كما أن إقامة الحدود عليه تصبح أمرا ملحا حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر. بل إن هناك مواقف يجرم فيها القانون تصوير الآخرين بدون إذن منهم، فقد صدر القرار الوزاري رقم (1900) وتاريخ 9/7/1428 الذي عد جريمة (انتهاك الأعراض بالتصوير والنشر والتهديد بالنشر) من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، بل وضعت عقوبات رادعة منها السجن مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين في الجرائم المعلوماتية، ونطالب وبشدة بتطبيق هذه العقوبات على كل من ينشر الأكاذيب والأراجيف في المجتمع.
أخيرا ماذا سنقول للأجيال القادمة التي سترصد ما نقوم به من منتج حضاري، فهل هو منتج يستحق التسجيل أم لا بد من الـ»Delete» الفوري له حتى لا يكون شاهدا على تخلفنا!.
ولكن من أهم ما يميز تلك الكتابات هو التعبير عن حضارة المجتمع، وبث رسائل قيمة ظلت مصدرا من مصادر المعرفة الإنسانية، تنبئنا عن حضارات إنسانية وثقافات تلك المجتمعات، وهي كنز يكتشفه علماء الآثار والحفريات يوما بعد يوم..
وبتطور وسائل الإعلام وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تنوع وتعدد فمنها المقروء والمسموع والصورة، بل وصلت إلى الإعلام الحديث الذي ساهم في الانفجار المعرفي، ونقل المعلومة في ثوان معدودة إلى أرجاء الكرة الأرضية، ولكن أهم ما يميز هذا العصر - الأغبر - هو انقلاب معايير البث الإعلامي كافة، التي يفترض فيها الشفافية والمصداقية، وأن يحمل الإعلامي رسالة هادفة مع الدقة والأمانة عند بث الأخبار، ولكن وللأسف نجد أنه تلاشت معظم هذه المعايير، وأصبح مدى الإثارة في مضمون الخبر وما يحققه من أرباح لدخل الصحيفة أو القناة الإعلامية هما الهدف الأساسي.
بل أضحى الإعلام الحديث المسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي في تويتر والفيس بوك، والواتس اب - الأكثر شعبية - يتفنن روادها في بث الأراجيف والأخبار الكاذبة والملفقة وقلب الحقائق وكل الموازين الأخلاقية والمنطقية والعقلانية مما يجعلها فتنة يكون فيها الحليم حيران.
وأجمل تعبير عن هذا الإعلام ما وصلنا مؤخرا من صورة لسمكة يحملها ثعبان في فمه ويقول التعليق «الثعبان الشجاع أنقذ السمكة من الغرق»، نعم هكذا هو الإعلام في بعض قنواته هذه الأيام، وليس أدل على ذلك من شواهد عشناها وأصبحت قضية رأي عام، ومنها ما عرضته إحدى القنوات الفضائية الخليجية لداعية إسلامي تبتر فيه كلماته بترا، لتلصقها في محتوى ينافي أصل وتعاليم الدين الإسلامي وفكر الداعية نفسه، الوسطي المتزن، لتوقعه في براثن الخطأ؛ بالتقليل من مكانة المرأة وإعطاء الرجل حقا مطلقا للضرب، وذلك لتشويه سمعته في نظر مشاهديه من جماهير العالم الإسلامي!
بل إن بعض وسائل الإعلام لا تكتفي بالتشويه وقلب الحقائق، بل تتحين الفرص لتضخيم المشكلات في بالونات إعلامية لإظهار السلبيات الاجتماعية وتحويلها إلى قضايا لإثارة الرأي العام، ومنها ما ظهر في قضية ضرب المعلم للطالب في مدرسة الموهوبين - ومع رفضنا للمشهد تماما، وأنه سلوك غير تربوي - ولكن إظهار المعلم بمظهر الذليل واعتذاره للطالب وحوله هيئة التعليم (الموقرة) في منظر أقل ما يوصف بأنه إهدار لكرامة المعلم وإهانته وسقوط هيبته، وهو الذي كاد يوما أن يكون رسولا!
لماذا نركز على السلبيات دائما وننشرها فيراها العالم كله، ونكرس بأنفسنا نظرة العالم لنا بأننا مجتمع متخلف! نحن نريد على العكس أن نمحو - الصورة النمطية - التي ألصقت بنا شرقا وغربا بأننا شعوب غير متحضرة، وأن البترول هو الذي انتشلنا من الفقر والمجاعة، ولكن - وللأسف - لا نزال نعيش الهمجية السلوكية بابتعادنا عن قيمنا الأخلاقية التي تدعو للستر وعدم فضح الناس.
حتما إننا لا نعني تجاهل الأخطاء في المجتمع، ولكن علاجها بحكمة وروية ووفق القنوات النظامية، وليس بالنشر غير المنضبط. إن المسؤولية الإعلامية العظمى أن يتحرى الإعلامي الدقة في نقل الخبر؛ لأن أي تزييف للحقائق سيفقد الإعلامي مصداقيته أمام الجمهور، بل وحتى الخطأ غير المقصود قد يكلف الإعلامي سمعته ومكانته ومكانة القناة الإعلامية.
بل إن ذلك يخلق إثارة للدعاوى القضائية، فإن للإعلامي حدودا معينة في نقل الخبر، وأي تشويه للحقائق فإن الملاحقات القانونية ستطاله، كما أن إقامة الحدود عليه تصبح أمرا ملحا حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر. بل إن هناك مواقف يجرم فيها القانون تصوير الآخرين بدون إذن منهم، فقد صدر القرار الوزاري رقم (1900) وتاريخ 9/7/1428 الذي عد جريمة (انتهاك الأعراض بالتصوير والنشر والتهديد بالنشر) من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، بل وضعت عقوبات رادعة منها السجن مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين في الجرائم المعلوماتية، ونطالب وبشدة بتطبيق هذه العقوبات على كل من ينشر الأكاذيب والأراجيف في المجتمع.
أخيرا ماذا سنقول للأجيال القادمة التي سترصد ما نقوم به من منتج حضاري، فهل هو منتج يستحق التسجيل أم لا بد من الـ»Delete» الفوري له حتى لا يكون شاهدا على تخلفنا!.