الرأي

الجمعيات الخيرية والغرف التجارية وفقدان المعرفة

فائز صالح جمال
في السنوات الأخيرة كثيرا ما تردد على أسماعنا مصطلحات جديدة مثل إدارة المعرفة واقتصاد المعرفة.

والمعرفة كما يحددها قاموس أوكسفورد هي الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل شخص من خلال التجربة أو التعليم والفهم النظري أو العملي لموضوع ما، وهي مجموع ما هو معروف في مجال معين من حقائق ومعلومات، وهي الوعي أو الخبرة التي تكتسب من الواقع أو من القراءة أو المناقشة.

وفي أدبيات الإدارة ظهر كذلك الحديث عن رؤوس أموال غير مالية، مثل رأس المال الفكري ورأس المال الهيكلي ورأس المال البشري، وجميعهم متعلق بالمعرفة وإدارة المعرفة.

فرأس المال الفكري هو المعرفة الجماعية أو الضمنية، مثل الخبرات الشخصية التي قد لا تكون موثقة ولكنها مختزنة في عقول الأفراد العاملين في منظمة أو مجتمع. ويمكن تقسيم رأس المال الفكري إلى رأس المال الهيكلي ورأس المال البشري.

رأس المال الهيكلي للمنظمات يتمثل في العمليات والهياكل ونظم المعلومات وحقوق الملكية الفكرية، وجميعها مستقل عن الموظفين والمديرين. وأما رأس المال البشري فيتمثل في المعرفة والمهارات والكفاءات من العاملين في المنظمة، وهو ما يملكه الموظفون والمديرون.

والمعرفة نوعان، ضمنية وظاهرية:

فالمعرفة الضمنية هي المعرفة المتعلقة بالمهارات والخبرات والمعارف التي توجد في عقل وقلب كل فرد ومن غير السهولة نقلها أو تحويلها للآخرين.

والمعرفة الظاهرية هي المعرفة المتعلقة بالمعلومات الموجودة والمخزنة في أرشيف المنظمات (الكتيبات المتعلقة بالسياسات والإجراءات والمستندات ومعايير العمليات والتشغيل)، وفي الغالب بإمكان الأفراد داخل المنظمة الوصول إليها واستخدامها وتقاسمها مع جميع الموظفين من خلال الكتب والندوات واللقاءات.

وأغلب المعرفة في المنظمات ضمنية يصعب التعبير عنها بوضوح. لذلك يعد تسرب الموظفين أو تسريحهم من أهم مواضع فقد المعرفة في المنظمات، إذ عندما يترك الموظفون أو مديرو المنظمات العمل فيها فإنهم يأخذون معهم كل ما يملكونه من مهارات وخبرات ومعارف ضمنية يصعب نقلها للآخرين.

سقت هذه المقدمة المطولة للتعليق على لوائح انتخابات مجالس إدارة الجمعيات الخيرية ومجالس إدارة الغرف التجارية التي منعت ترشح أعضاء المجالس بعد دورتين انتخابيتين كل دورة أربع سنوات.

فهذا المنع سوف يؤدي إلى فقد كبير للخبرات والمعارف في الغرف التجارية والجمعيات الخيرية، وهو ما سوف ينعكس تراجعا في أداء جميع هذه المنظمات ذات الصبغة التطوعية.

بالإمكان تفهم منع ترشح الرؤساء والنواب لأكثر من دورتين متتاليتين من أجل إفساح المجال لتجدد الدماء والقيادات، أما تنفيذ اللوائح الجديدة ومنع ترشح جميع الأعضاء فسوف يؤدي إلى فقدان الخبرات والمعارف الجمعية للأعضاء والمتراكمة عبر السنين في مجالس الإدارات دفعة واحدة، وهو ما سوف يضعف قدرات الأعضاء الجدد على تسيير الأعمال في الغرف والجمعيات بكفاءة. وسيتجدد ويتعمق الفقد بعد كل دورتين..

إن الجمعيات الخيرية والغرف التجارية هي منظمات تطوعية لا يحصل أعضاؤها ولا رؤساؤها على أي مقابل مادي لأعمالهم، وبالتالي فإن حافز المتقدمين للعمل فيها هو حافز معنوي متعلق بالتقرب إلى الله وبخدمة المجتمع والنفع العام أكثر من أي شيء آخر.

وفي ظني أن طرد الكفاءات والخبرات بفعل النظام واللوائح الجديدة ضرره أكثر من نفعه، والبديل يكون في منع استمرار الرؤساء فقط أو الرؤساء والنواب في مناصبهم لأكثر من دورتين متتاليتين.

لذلك المؤمل من وزارتي التجارة والشؤون الاجتماعية المسارعة لمعالجة هذا الخلل بما يخدم مصالح هذه المؤسسات التطوعية ويعزز كفاءتها ويعظم منافع المستفيدين من خدماتها.

faez.j@makkahnp.com