الرأي

نحن ولبنان

محمد العقلا
أخيرا وبعد طول انتظار وصبر على المواقف الرسمية السلبية من الحكومة اللبنانية اتخذت المملكة العربية السعودية قرارا حاسما بوقف المساعدات المقدمة منها إلى لبنان، ويدرك المتابع للشأن اللبناني مدى التحولات في المواقف الرسمية اللبنانية نتيجة لوقوعها تحت تأثير وهيمنة حزب الشيطان اللبناني، وللأسف الشديد قوبلت مواقف المملكة العربية السعودية الداعمة للبنان حكومة وشعبا منذ عشرات السنين بالتجاهل والنكران، بل وتجاوزهما إلى اتخاذ مواقف مناهضة للمملكة في المحافل الدولية، وكانت آخر تلك المواقف السلبية عدم إدانة الاعتداء على سفارة وقنصلية المملكة بطهران ومشهد عند حدوثهما، ولم يكتف بذلك بل واعترض على إدانة الاعتداء عليهما أثناء عرض الموضوع في اجتماعي جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وإزاء هذا الموقف السلبي كان القرار الحاسم بوقف المساعدات لنظام لا يقدر هذه الوقفة العميقة الجذور، حيث قدمت المملكة خلال السنوات الطوال الماضية عشرات المليارات من الدولارات دعما لشعبه وتنمية لاقتصاده وحلا لمشكلاته وحفاظا على وحدة وسلامة أراضيه من التقسيم والضياع، والشاهد على ذلك الأمر اتفاق الطائف التاريخي الذي أسهم إسهاما مباشرا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من عام 1975 إلى 1989، حيث تمكنت المملكة وبجهود حثيثة ومتواصلة من خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، وحكومته الرشيدة ممثلة بسمو وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل رحمه الله، من جمع الفرقاء اللبنانيين بكل أطيافهم ومكوناتهم بمحافظة الطائف عام 1410 الموافق 1989 ولمدة اقتربت من الشهر في اجتماعات متواصلة أدت بفضل الله ثم بفضل هذا الجهد السعودي الجبار من التوصل إلى صياغة مقبولة من جميع الأطراف أطلق عليها اسم «اتفاق الطائف» الشهير، الذي باركه المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن وقبله مجلس النواب اللبناني، وأصبح أساسا مرجعيا للعملية السياسية اللبنانية.

وبعد بدء العمل به وما أسفر عنه من انتخاب رئيسا للبنان الموحد وهو الراحل رينية معوض، والذي تمكن النظام السوري من اغتياله قبل توليه الرئاسة اللبنانية بأيام، تمكنت المملكة من احتواء الموقف وانتخاب إلياس الهراوي رئيسا للبنان وتزعمت المملكة مبادرة إعادة إعمار لبنان ونجحت في تحقيق ذلك. وأمام هذا النجاح السعودي في إنهاء الحرب الأهلية وإعادة الإعمار زعزع حزب الشيطان اللبناني وبدعم من قبل النظامين الصفوي الإيراني والدموي الإرهابي السوري الاستقرار السياسي والأمني وإثارة المشكلات، ومن هذه المشكلات ما تسبب به حزب الشيطان بقيامه بمغامرات غير محسوبة ضد الكيان الصهيوني الأهوج والذي كان يصب جام غضبه على المنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء والماء والطرق والمباني.

وتبادر المملكة عقب انتهاء الاعتداء على هذه المرافق الحيوية بإصلاحها أو بإعادة بنائها من جديد، وتكرر هذا الأمر طوال السنوات الماضية ولم تكتف بذلك بل تحملت الرسوم الدراسية للكثير من أبناء الشعب اللبناني في بادرة غير مسبوقة، وهذه المساعدات ليست قاصرة على لبنان، بل شملت معظم الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الصديقة، ورب ضارة نافعة فإن من الأهمية بمكان إعادة النظر في أسلوب وطريقة تقديم المساعدات الخارجية، وأن يتم الابتعاد عن تقديم المساعدات النقدية التي لا يعلم مصيرها بل ولا تعلم تلك الشعوب شيئا عنها بعكس المساعدات الواضحة للعيان مثل بناء المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد وشق الأنفاق والطرق وأن يكتب على كل منشأة وبشكل واضح وملفت للانتباه أنها مقدمة من حكومة وشعب المملكة إلى الشعب الذي أقيمت فيه تلك المنشأة، وهذا الأسلوب وتلك الطريقة اتبعتها حكومات الكويت والإمارات وقطر وشاهدت ذلك بنفسي أثناء زيارتي لليمن قبل عدة سنوات.

وعلى الرغم من أن المملكة أكبر داعم لليمن سواء عن طريق مجلس التنسيق السعودي اليمني أو عن طريق الدعم المباشر، إلا أنني لم أشاهد كتابة اسم المملكة على أي مشروع تنموي، وقد تكون السياسة الخارجية للمملكة تقوم على أساس عدم المنة في تقديم دعمها ومساعداتها لأشقاء في الدول العربية والإسلامية، إلا أن الواقع السياسي لكثير من الحكومات العربية والإسلامية والصديقة يستدعي من قبل المملكة العربية السعودية، أن تعلن عما قدمت لتلك الدول من دعم مادي ومعنوي غير مشروط طوال تاريخها السياسي الممتد عبر عشرات السنين، فهي تعتبر أكبر دولة مانحة للمساعدات التنموية غير المشروطة، فهل يتحقق هذا الأمر؟ أرجو ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل.

aloqla.m@makkahnp.com