الرأي

(إنتا تصلي)؟

دبس الرمان

هبة قاضي
حين انتقلت للمرحلة المتوسطة كانت المرة الأولى التي أتعرف فيها على ما يسمى الرياضيات الحديثة. كنت أنظر حولي لباقي الفتيات وأرى ملامح عدم الفهم وهي تتحول شيئا فشيئا إلى لا مبالاة وبلادة، والأستاذة مستفيضة في عرض المزيد من الرموز التي لا معنى لها. في أحد الأيام طفح بي الكيل فوجدت نفسي أرفع يدي استئذانا للسؤال (أبلة أيش علاقة هادي الرياضيات بحياتنا؟ يعني أيش الفايدة منها)، حسنا لن أنسى ما حييت ذلك السيل من الكلام المستنكر بحنق، عن كيف لا أعرف، وأن الرياضيات هي أهم العلوم، وأن علماء الفضاء يستخدمونها و.. و.. والمزيد من الزبد الذي انهال على رؤوسنا.

ترى هل تصلي؟ حسنا لنغير السؤال ليصبح أكثر لطفا، ترى هل تواظب على صلاتك؟ هل وصلت لمرحلة أن أصبحت الصلاة كما الماء والهواء لا مساءلة فيها ولا فصال؟ أم ما زلت تحارب وتجاهد فيها؟ أتراك تخجل من ذكر ذلك وأنت في هذا العمر، وتشعر داخليا بالضيق من نفسك وبالذنب يتآكلك وأنت تتساءل (ترى ما مشكلتي؟ تراني إلى متى أضيع صلاتي؟) أم إن البلادة تآكلتك وتمكنت منك، فإذا ما حضرت مع الناس سجدت وركعت، وإذا ما خلوت إلى نفسك فلا صلاة ولا قيام.

إن هذا للأسف هو حال الكثيرين منا، نعم الكثيرين من أولئك الذين فرضت عليهم الصلاة كما تفرض المواد الجديدة في المدرسة، كإلزام أو عبء ثقيل فرض علينا بدون تعليل أو فهم، وحين يتساءل عقلك الصغير ببراءة (طيب ليش أصلي)؟ تأتيك تلك الإجابة المعلبة (عشان تكون قريب من ربنا)، فإذا ما رغبت في السؤال أكثر قالوا لك ستفهم حين تكبر، وكلما كبرت أصبح السؤال أصعب، وأصبح التساؤل عن الماهية والسبب والعلة والربط والعلاقة حراما ومستنكرا، كيف لا وأنت تجرؤ أن تسائل ما المفترض أن تتقبله كأمر مفروغ منه بغض النظر عن قناعاتك وطبيعتك العقلية والنفسية. فتظل تلك القناعة التائهة في لا وعيك تكبل أفعالك وتمنعك من الالتزام والاستمرار، فتجد بعضا ممن تغلب على طبيعتهم النفسية المجاراة والتبعية يلتزمون ويمارسون بدون سؤال. والبعض الآخر ممن استعصى عليه عقله وتفكيره وأبى أن يطوع الجسد والعادة لفعل شيء فقط لأنه عليه فعله.

لذا فقد حان وقت مواجهة الموقف بأن تتحمل مسؤوليتك الذاتية نحو روحانياتك ومعتقداتك. حان الوقت لتبحث وتعرف وتستدل وتربط وتعلل وجود الصلاة في حياتك، فحتى العبادات - ومنها الصلاة - تحتاج إلى أساليب جديدة في فهمها من خلال مواكبة الفكر والإبداع في الربط، فحينها فقط ستبدأ بالمواظبة عليها وممارستها دون صعوبات وتقلبات، وحينها فقط ستستطيع إقناع أولادك بها بدون إجبار أو تقريع، وحينها فقط ستكون عابدا عارفا، وليس ممارسا تابعا، وكما يقول الدكتور مصطفى محمود (لن تكون متدينا إلا بالعلم، فالله لا يعبد بالجهل).