دراسة حالة أكاديمية: عالم فيزيائي سعودي جاسوس!
السبت / 18 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:15 - السبت 27 فبراير 2016 20:15
لم يكن وجود سعودي متخصص في الفيزياء النووية كمتهم ضمن الجواسيس العاملين لصالح إيران في السعودية مثيرا للريبة بالنسبة إلي، لأنه لا يجدر حسن الظن لحد القداسة بالناس بناء على قيمهم ومناصبهم المظهرية، فالعالم الجاسوسي المتهم بالجاسوسية كان ضمن مجموعة متغايرة جدا في تخصصاتها وطبيعة المهارات المهنية «الظاهرية» على الأقل، فالمجموعة الجاسوسية تحتوي أيضا على أفغاني يعمل طباخا للأرز البخاري في أحد المطاعم، بينما الثالث إيراني يجيد التحدث بالعربية بكل طلاقة.
هذا التنوع من حيث أدبياته المتناقضة يعنون للحقيقة البسيطة التي لا تزال لا تعيها جماهير التبعية العمياء والمغيبة عن وعيها في حفلات الانسياق وراء المفوهين من رؤساء الأحزاب والتيارات، ببساطة فالغواية للنفس البشرية لا يمكن قصرها على فئات معينة كما أن النفعية التي يسعى وراءها من ينصبون أنفسهم قادة لا يمكن للجماهير التابعة لمسها مباشرة بسبب ذكاء ودهاء الخطاب وقوة رنينه المجلجة التي تصخب وتشوش على كل وسائل التفكير الواعي والعقلانية.
إلا أن النرجسية التي تصاحب علماء الطبيعة على الغالب حول دول العالم وعبر التاريخ تعطي للعلماء رونقا أكثر رقيا في حاسة الجمهور من خلال نتاج العلماء البناء للمجتمعات وللكون، ولكن السؤال البديهي في هذه الحالة: لماذا يمر خبر هذا الجاسوس مرور الكرام بلا أنين ولا ضجيج من قبل الناعقين؟
أجد من وجهة نظري أن الفرق الجوهري يكمن في أن رموز أسلمة الخطب السياسية الرنانة يحظون بكسب الملايين من الرعاع في أوقات وجيزة في الدول المتخلفة، التي لا يحظى فيها علماء الطبيعة باعتلاء منصة التحدث للجماهير، كما لا تجد الجماهير أثرا ملموسا للأبحاث على الواقع الاقتصادي والصحي والصناعي والمهني يدعوها للإعجاب والإيمان بما يعتقده العلماء، كدول العالم الثالث حيث لا تزال ممارسة البحث العلمي بريستيج النخبة مدخلاته أضعاف مخرجاته! ولذلك فإعلان مثل هذا لوجود جاسوس من حقل العلوم الطبيعية سيحظى في كل الأحوال باستهجان الجميع وعدم إثارة اهتمامه لعدم وجود جمهور فيزيائي أولا، ولأن الجاسوسية في هذه الحالة لا يمكن تغليفها أو مزج مصالحها بحقول الفيزياء لا من قريب ولا من بعيد.
بصورة أدق، لو أن المتهم أحد رموز التطرف الديني أو مشروع الإسلام السياسي أو صناع الدعاية للذات من خلال الادعاء باستهداف الموساد وإسرائيل وأمريكا لهم مثلا، لن يكون من الممكن أن يمر الخبر دون سماع أصداء زفرات وونات تعاطف هنا وهناك، فضلا عن إمكانية وجود أذرع خارجية تندد وتنادي وتجيش وتشجب وتستنكر وتطالب بإطلاق سراح المتهمين وتحشر منظمات حقوق الإنسان وغير ذلك من وسائل الحقن والتعبئة.
حالة الوعي «اللاواعي» بعدم التحشد والتزفر على تجسس الفيزيائي تأتي من قراءة سريعة باحثة عن المصلحة في المشهد، فالتجسس خيانة تدمر البلدان ولن تخدم الفيزياء ومحبي الحقل، والفيزياء لم تخدم الخطاب الإسلامي ولم تثبتها المختبرات العلمية ولم ينجح الفيزيائيون في الحالة العربية من الوصول لسدة الرئاسة والقيادة كما في الحالة الألمانية في ترشح ميركل لسدة الرئاسة.
ليبقى القول إن وجود حالة الوعي في استهجان ما قام به المتهم الفيزيائي ينبغي أن يكون أيضا على نفس الدرجة حينما يكون المتهم أحد الأصوليين أو الضالعين في أمور الإرهاب وتدمير البلد مع ضرورة إسقاط الوحدة المذهبية أو العاطفية أو الاديولوجية، تماما كما في حالة المتهم الفيزيائي الذي استهجنت حالته من قبل الفيزيائيين والأكاديميين ومحبي العلوم، فالمجرم مجرم لا تشفع له حالات التوافق أبدا.
Seham.t@makkahnp.com
هذا التنوع من حيث أدبياته المتناقضة يعنون للحقيقة البسيطة التي لا تزال لا تعيها جماهير التبعية العمياء والمغيبة عن وعيها في حفلات الانسياق وراء المفوهين من رؤساء الأحزاب والتيارات، ببساطة فالغواية للنفس البشرية لا يمكن قصرها على فئات معينة كما أن النفعية التي يسعى وراءها من ينصبون أنفسهم قادة لا يمكن للجماهير التابعة لمسها مباشرة بسبب ذكاء ودهاء الخطاب وقوة رنينه المجلجة التي تصخب وتشوش على كل وسائل التفكير الواعي والعقلانية.
إلا أن النرجسية التي تصاحب علماء الطبيعة على الغالب حول دول العالم وعبر التاريخ تعطي للعلماء رونقا أكثر رقيا في حاسة الجمهور من خلال نتاج العلماء البناء للمجتمعات وللكون، ولكن السؤال البديهي في هذه الحالة: لماذا يمر خبر هذا الجاسوس مرور الكرام بلا أنين ولا ضجيج من قبل الناعقين؟
أجد من وجهة نظري أن الفرق الجوهري يكمن في أن رموز أسلمة الخطب السياسية الرنانة يحظون بكسب الملايين من الرعاع في أوقات وجيزة في الدول المتخلفة، التي لا يحظى فيها علماء الطبيعة باعتلاء منصة التحدث للجماهير، كما لا تجد الجماهير أثرا ملموسا للأبحاث على الواقع الاقتصادي والصحي والصناعي والمهني يدعوها للإعجاب والإيمان بما يعتقده العلماء، كدول العالم الثالث حيث لا تزال ممارسة البحث العلمي بريستيج النخبة مدخلاته أضعاف مخرجاته! ولذلك فإعلان مثل هذا لوجود جاسوس من حقل العلوم الطبيعية سيحظى في كل الأحوال باستهجان الجميع وعدم إثارة اهتمامه لعدم وجود جمهور فيزيائي أولا، ولأن الجاسوسية في هذه الحالة لا يمكن تغليفها أو مزج مصالحها بحقول الفيزياء لا من قريب ولا من بعيد.
بصورة أدق، لو أن المتهم أحد رموز التطرف الديني أو مشروع الإسلام السياسي أو صناع الدعاية للذات من خلال الادعاء باستهداف الموساد وإسرائيل وأمريكا لهم مثلا، لن يكون من الممكن أن يمر الخبر دون سماع أصداء زفرات وونات تعاطف هنا وهناك، فضلا عن إمكانية وجود أذرع خارجية تندد وتنادي وتجيش وتشجب وتستنكر وتطالب بإطلاق سراح المتهمين وتحشر منظمات حقوق الإنسان وغير ذلك من وسائل الحقن والتعبئة.
حالة الوعي «اللاواعي» بعدم التحشد والتزفر على تجسس الفيزيائي تأتي من قراءة سريعة باحثة عن المصلحة في المشهد، فالتجسس خيانة تدمر البلدان ولن تخدم الفيزياء ومحبي الحقل، والفيزياء لم تخدم الخطاب الإسلامي ولم تثبتها المختبرات العلمية ولم ينجح الفيزيائيون في الحالة العربية من الوصول لسدة الرئاسة والقيادة كما في الحالة الألمانية في ترشح ميركل لسدة الرئاسة.
ليبقى القول إن وجود حالة الوعي في استهجان ما قام به المتهم الفيزيائي ينبغي أن يكون أيضا على نفس الدرجة حينما يكون المتهم أحد الأصوليين أو الضالعين في أمور الإرهاب وتدمير البلد مع ضرورة إسقاط الوحدة المذهبية أو العاطفية أو الاديولوجية، تماما كما في حالة المتهم الفيزيائي الذي استهجنت حالته من قبل الفيزيائيين والأكاديميين ومحبي العلوم، فالمجرم مجرم لا تشفع له حالات التوافق أبدا.
Seham.t@makkahnp.com