الرأي

البحث العلمي.. يحل المشكلات أم يصنعها؟

مفلح زابن القحطاني
الأصل في البحث العلمي كما يعرفه متعاطوه ويعرفون وظيفته أنه ينبع من مشكلة حقيقية، ويسعى إلى توصيفها وتوضيح أبعادها، والتوصية بالحلول المناسبة لها، وهذا أهم شروطه، وإذا افتقد إلى المشكلة التي يسعى إلى علاجها فهو ليس إلا تطبيقا إجرائيا لخطوات البحث وإجراءاته النظرية، أو تكرارا لا يفيد في مجالات الحياة بشيء.

والبحث العلمي إذا انطلق من مشكلات حقيقية يشعر بها الفرد أو المجتمع، أو يشعر بها على الأقل أصحاب الاختصاص وواكب ذلك إجراءات بحثية وعلمية سليمة ودقيقة كانت النتيجة إيجابية، ولذلك تمول الدول المتقدمة البحث العلمي وتنتظر نتائجه بفارغ الصبر وتعول عليها في التخطيط للمستقبل، وهو الأداة المهمة عندها لاستكشاف المشكلات والتنبؤ بها، والعمل على درء وقوعها.

ويأخذ البحث العلمي في أغلب البلدان العربية منحى آخر، إذ يفتقد في كثير من الأحيان إلى الجانب التطبيقي، وأقصد به هنا أن الربط بينه وبين مشاريع التنمية والتطوير والمشكلات التي تعانيها البلدان العربية محدود جدا، ويغدو البحث العلمي فيها متطلبا شكليا لا أكثر، يحتاجه الأستاذ الجامعي والطالب والطبيب وغيرهم لتحسين وضعه الوظيفي وإكمال المتطلبات المطلوبة منه، دون أن يكون له في أكثر الأحيان انعكاس حقيقي على التنمية والتخطيط والبيئة.

ويبدو الأمر هنا أخف ضررا من صورة أخرى للبحث العلمي في هذه البلدان؛ وذلك حين يمارس البحث والباحث التضليل ويستخدم الباحث أدوات غير مناسبة ولا دقيقة للظاهرة، وهنا نجد البحث يخرج بنتائج وتوصيات خاطئة، وربما تناقل مجموعة من الباحثين توصياته ونتائجه حتى ظهر لدينا ركام من الأخطاء في المفاهيم والتصورات، ومن هنا غدا الانعكاس والتأثير سلبيين وخطيرين.

ويندرج في هذا السياق البحوث الميدانية في الميادين التي تتطلبها؛ حيث يدفع كسل الباحث وعدم وجود أمانة علمية لديه وعدم امتلاكه الأخلاقيات العلمية إلى تطبيق البحث بطريقة تؤدي بلا شك إلى أخطاء في النتائج والتوصيات، وإلى تغيير معالم المشكلة بشكل كامل، ومن ثم عدم وجود توصيف مناسب لها، وعدم وجود تصور لأبعادها الحقيقية وتبعاتها والحلول التي يمكن أن تسهم في الحد منها، كأن يقوم هو بتعبئة هذه الاستبانات أو يسند تعبئتها إلى أصدقائه وزملائه وهم من غير الشريحة التي يستهدفها البحث.

وزد على ذلك ما نراه في الدراسات الأدبية واللغوية على نحو خاص من تشويه يستهدف المعرفة والإبداع ويضر بهما، وذلك حين تُسند موضوعات علمية إلى باحثين لا يمتلكون الأدوات المعرفية والبحثية الحقيقية التي تمكنهم من إجراء هذه البحوث على نحو يضمن صحة الإجراءات والخروج بنتائج إيجابية، أو حين يتصدى باحثون مبتدئون للكتابة حول إبداع شعراء وأدباء كبار وتحليل هذا الإبداع فنجد مظاهر التشويه بالاجتزاء والتقويل وضعف أدوات التحليل، وهنا ندرك تماما أن البحث العلمي قد يصنع المشكلات بدلا من أن يحلها.