الرأي

النفث الجماعي.. جديدة!

إبراهيم الفرحان
كنت قد كتبت مقالا سابقا عنونته بـ'جني ولا نفسية'، ذكرت فيه أن مجتمعنا يبالغ كثيرا في مسألة إرجاع كثير من الأمراض النفسية إلى 'المس'، وأصبحت ساحات الرقاة الشرعيين تكتظ بآلاف الناس يوميا، حتى بلغ الوهم في بعضنا أنه إذا لم يأته النوم لأيام عدة يذهب إلى راق شرعي ويقول له 'أنا الظاهر عندي عين يا شيخ.. أبغاك تقرأ علي'!، أو حتى تساقط الشعر الذي يأتي بسبب عامل وراثي أو نقص في الفيتامينات نرجعه إلى العين قبل أن نشخصه طبيا، لذلك كثر عدد الرقاة، وانتشر الجدل والخداع في بعضهم.

اليوم ما يذهب إليه بعض الرقاة من أمور خارجة عن المألوف هو تلاعب بمشاعر وعقول المريض وأهله. ما يثير الاشمئزاز في الآونة الأخيرة ظهور صيحات جديدة للرقية الشرعية، وهو 'النفث الجماعي' من قبل عدد من الرقاة على بعض الماء أو الزيت وبيعه وترويجه لأغراض مالية! بمعنى أن المسوق لهذه الرقية يذكر لك أنه تم النفث على هذا الزيت أو الماء من عدة مشايخ رقاة معتبرين، وبالتالي يكون الشفاء أسرع بإذن الله! هل رأيتم خداعا وتدليسا أكثر من ذلك؟ هذا سخف وتيه واستخفاف بعقول الناس، في ظل ضعف أداء الأجهزة الرقابية للحد من هذه الآفة.

أصبح الناس لا يفرقون بين الراقي الشرعي، والجاهل الانتهازي، والمشعوذ الدجال، وكل هذا في ظل نقص الوعي لدى العامة من الناس، وضعف الإيمان، والفهم الخاطئ أو المشوه لحقيقة الرقية الشرعية ومتطلباتها. اليوم لا بد أن نسأل عن مدى مصداقية الرقاة في مجتمعنا.. هل هم بديل حقيقي عن الطب والأطباء، أم مجرد تجار دين؟

أصبح الناس يلجؤون إلى الرقاة عند كل ضر يمسهم، أو ضيق يصيبهم، أو مشكلة تعترضهم، كبيرة كانت أو صغيرة. وأصبحوا يؤولون هذه الأمور على أنها عين حاسد أو مس من الجن أو سحر ساحر.

ولا يخفى على أحد منا عدد الذين تفاقمت مشكلاتهم بسبب اللجوء إلى الرقاة المزعومين الذين لا يتورعون عن الكذب والتلفيق، لينالوا نصيبا من مدخرات الناس، وقد يحملونهم فوق ذلك مصائب لا تعد ولا تحصى، فكم من شخص اجتاحت حياته الوساوس من كثرة التردد على الرقاة، وكم من فتاة كشفت عورتها وأنهك جسمها بالضرب، بل قد يصل الحال أحيانا إلى حد القتل! نعم القتل! فهذه ليست قصصا من بنات أفكاري، بل واقع مر حدث ويمكن أن يحدث ويتكرر في مجتمعنا. وكلنا نعرف قصة الراقي الشرعي الشهير في منطقة عسير الذي ماتت امرأة بين يديه وهو يحاول خنق 'الجني' من خلال القبض على رقبتها حتى اختنقت وماتت!

أنا هنا لا أريد التقليل من شأن الرقاة أو التجني عليهم ووضعهم جميعا في سلة واحدة، فهناك رقاة أتقياء ومخلصون يعملون وفق ما تنص عليه الشريعة والدين، هدفهم من ذلك علاج المرضى والترويح عنهم دون مقابل يرجونه، لكن يجب أن يفرق الناس بين الرقاة الشرعيين وبين الدجالين والمشعوذين.

alfarhan.i@makkahnp.com