الرأي

بعد 32 عاما.. السؤال يعيد طرح نفسه: مصير لبنان إلى أين؟

محمد العوفي
قبل نحو 32 عاما، وتحديدا في 1984 أفردت صحيفة النهار اللبنانية عنوانا عريضا على صحفتها الأولى «السؤال الكبير: مصير لبنان إلى أين»؟، السؤال نفسه يحضر هذه الأيام مع اختلاف بسيط في السيناريو، الفارق بينهما أن الإجابة على السؤال الحالي ليست سرا، بل معروفة للجميع، وهي أن لبنان ذهب إلى حضن الملالي «إيران» بعد مصادرة «حزب الله» لإرادة الدولة، وأصبحت الحكومة تبحث عن إرضائه، وعدم إغضابه رغم التجاوزات التي يرتكبها في حق اللبنانيين أنفسهم قبل غيرهم.

في العرف السياسي، عندما يتخذ وزير الخارجية موقفا معينا فهو يمثل وجهة نظر حكومته، وبالتالي فإن خروج لبنان عن الإجماع العربي والإسلامي في مجلس جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي اللذين أدانا الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وتدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول الخليجية والعربية، إضافة إلى تمادي بعض الأطراف اللبنانية التي وظفتها إيران سياسيا، وزرعتها قسرا داخل الحكومة اللبنانية في التهجم على السياسة الخليجية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، لا يمكن أن يفسر إلا وفقا لهذا المنطق.

ما قاله وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مجلس جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي رسالة قرأتها الرياض بذكاء، وفهمت فحواها، وتأكد لها أن لبنان لم يعد ذلك البلد العربي الذي تنسجم مواقفه مع المواقف العربية، وأن إرضاء طهران يفوق الإجماع والكرامة العربية أهمية وحضورا في المواقف السياسة اللبنانية، ولم يكن أمام الرياض بد من مراجعة حساباتها السياسية والاقتصادية مع لبنان، ووقف الهبة الممنوحة لجيشه، وقوى الأمن الداخلي والبالغة أربعة مليارات دولار.

هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الرياض لوقف دعمها للبنان، وهي التي لم تتخل عن لبنان وشعبه طوال 27 عاما، فهي من هندس اتفاق الطائف في 1987، وساهم بشكل كبير في إعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرتها الحروب والانقسامات الداخلية، إضافة إلى دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وحرصها على استقرار لبنان أكثر من بعض الأحزاب والأطياف اللبنانية، ولم تساوم لبنان أو تطلب ثمنا لكل ما تقدمه، لكن ذاكرة بعض الساسة اللبنانيين مغيبة أو ضعيفة لدرجة نسيان الدعم الذي لم يجف حبر اتفاقيته حتى الآن.

مراجعة السعودية علاقتها السياسية مع لبنان أو حتى قطع علاقتها الدبلوماسية لن يضرها بشيء، والمتضرر من الخطوة السعودية هو لبنان والشعب اللبناني وحدهما، وسيدفع اللبنانيون وحدهم الثمن باهظا إن لم يتم تدارك الموقف من قبل العقلاء في الحكومة اللبنانية، فيما سينعم أعضاء «حزب الله» و»فريق 8 آذار» بنعيم الهبات والكرامات الإيرانية نظير مواقفهم المناهضة للرياض.

ما فعلته الرياض ثأر للكرامة العربية في لبنان التي اغتيلت ونجست على أيدى الملالي وأعوانهم، وتؤمل الرياض أن تسهم هذه الخطوة في إيقاظ ضمير الساسة اللبنانيين لاستعادة لبنان من أحضان الملالي قبل فوات الأوان، لأن صحوة الضمير العربي اللبناني بعد أن تتمكن طهران وأذرعها السياسية «حزب الله» و»فريق 8 آذار» ستكون أصعب وأكثر تعقيدا منها في الفترة الحالية.

إعلان التزام الإجماع العربي الذي تمخض عنه اجتماع السبع ساعات للحكومة اللبنانية، والجولة التي سيقوم بها تمام سلام مع وفد رفيع من الحكومة اللبنانية للسعودية قد يلطفان الأجواء، لكنهما بالتأكيد لن يكونا كافيين، فلا يزال أمام الحكومة مهمة كبيرة لإعادة لبنان للمظلة العربية، وهو أمر في غاية الصعوبة في ظل تغلغل إيران في الشأن السياسي اللبناني، وتعطيلها للبلد ومؤسساته سياسيا واقتصاديا، وبناء «دويلة» في لبنان، وإحاطتها بكثير من الحلفاء الذين يعملون ضد لبنان ومصلحته باعتراف كثير من الشرفاء اللبنانيين.

موقف السعودية ومراجعتها لعلاقاتها السياسية مع طهران، يعدان البداية الحقيقية لمعركة إنقاذ لبنان - الذي لم يبق للعرب منه غير الاسم - وإعادته لأمته العربية قبل أن ينجرف إلى هاوية يصعب الخروج منها.

alofi.m@makkahnp.com