بأي دين سننهض؟
الخميس / 16 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:45 - الخميس 25 فبراير 2016 20:45
حين نتأمل اليوم في أي مذهب معاصر من مذاهب الدين الإسلامي المتعددة سنجد أن بدايات تكوين ذلك المذهب تختلف عن صورته التي أصبح عليها، أي إنه قد يحصل له مختلف التغييرات (تطور، ردات فعل معاكسة، تغيير تكتيكي، تأثر بيئي وسياسي... إلخ)، وبالتالي سيكون منتهاه متباينا ـ كليا أو جزئيا ـ عن ابتدائه وقت نشأته.
هذا الأمر بحد ذاته سيفتح سؤالا خطيرا كهذا: إذا كان المذهب، والذي هو صورة جزئية وفرعية عن الدين الإسلامي لم يصمد أمام عوامل تعرية السنين والظروف، فماذا عن الدين الإسلامي كاملا؟
هذا السؤال ليس من أجل إيجاد نوافذ تشكيك في الدين الإسلامي، بقدر ما هو محاولة لقدح الذهن للتأمل - بعض الشيء - في مآلات الفلسفة الإسلامية الكبرى كما جاءت في تلك النسخة الأولى من إسلام ما قبل المذاهب، في محاولة للبحث عن صورة ما لتلك النسخة المفقودة، وكيف ذابت لصالح جزئيات مذهبية مشغولة بقضاياها.
إن فلسفة أي مذهب من مذاهب الإسلام اليوم ما هي إلا ردة فعل تجاه فلسفة مذهب آخر، أو تجاه فكرة سياسية، أو تجاه أشخاص. وجذور أي مذهب ومنشؤه يكشفان فورا أنه مجرد ردة فعل وقتية، ولكن كُتب لها الاستمرار مع استمرار ذات العوامل المغذية له أيديولوجيا.
وسط هذه المتواليات من ردات الفعل التي كونت في النهاية مذاهب متعددة بتعدد تلك المواقف الضدية بين المسلمين في فترات تاريخية سابقة، ضاعت تلك الفلسفة الكلية للدين الإسلامي وتفرق دمها بين مذاهب فرعية وجزئيات تسلقت الحديث النبوي والتفسير والسيرة، ورسخت أيديولوجيتها، فجاء الدين الإسلامي في صورة تلك المذهبية الضيقة، مُختزلا ذا صورة محددة بحسب جغرافية البلد الذي يطبق فيه ومزاجه البيئي والاجتماعي، كما جاء متضادا في معطياته بين مذهب وآخر، بل وبين ثقافة قُطْرية وأخرى.
في إطار المذهب الواحد جاءت الاختلافات بين زمن وآخر، وبين مكان وآخر. الزمان والمكان هنا كانا ضمن عوامل التعرية التي أثرت في تماسك المذهب الواحد فلم يصمد، فما الذي يمكن أن نقوله عن دين أشمل يضم جزئية ذلك المذهب وضدها، يحتوي تلك الثقافة ونقيضها، يتضمن ذلك البلد الإسلامي وعدوه من البلاد الإسلامية الأخرى؟
في نقاشات الدين والهوية يختلط الكثير من التصورات التي أضيفت لاحقا وترسخت - لتراكمها الزمني- كجزء من بنية تلك الهوية وذلك الدين. ونحن هنا لا نناقش اختلافات في فروع الفقه البسيطة كالتي بين الشافعية والمالكية في مسائل لا تذكر، بل اختلافات جذرية كليا طفحت في داخل المذهب الواحد، كالجدل الذي حصل بين الحنابلة الأوائل أنفسهم في مسائل التجسيم والإثبات مثلا، أو كالتي بين حنابلة بغداد الذين كانوا يتبركون بقبر أحمد بن حنبل وبين حنابلة دمشق الذين جاؤوا في زمن لاحق مُنكرين ذلك التبرك بالكلية! إنها اختلافات تؤسس لما بعدها، وتبني تاريخا قادما، وتشكل مسارات جديدة. هذا داخل المذهب الواحد، فكيف بدين كامل أوسع في المكونات الجغرافية والتاريخية والأنثروبولوجية؟
الغريب في الأمر أن المذاهب تحصل لها مختلف التغييرات التي تعطف من مساراتها ما عدا أن تحصل لها المراجعة الحرة والشجاعة لأخطائها، أو أن تمارس النقد الذاتي التصحيحي. ومتى ما كانت هذه الفضيلة سلوكا أبجديا للعقل الباطن للأمة فحينها يمكن أن نصدق شعار (لن تقوم للأمة قائمة إلا بالعودة إلى دينها)، وبدون ذلك فأي دين يمكن العودة إليه على خارطة تلك التقلبات؟
وفق مبدأ المراجعة التاريخية والتصحيح المفترض يمكن جدا القفز على كل ركام التاريخ، من أجل البدء في طريق المستقبل الجاد الذي لم يعد مستساغا فيه العيش وفق ذات المضغ القديم لذات الأدبيات الغارقة في جزئيات التفريق والكراهية ضد الآخر المختلف.
waheed@makkahnp.com
هذا الأمر بحد ذاته سيفتح سؤالا خطيرا كهذا: إذا كان المذهب، والذي هو صورة جزئية وفرعية عن الدين الإسلامي لم يصمد أمام عوامل تعرية السنين والظروف، فماذا عن الدين الإسلامي كاملا؟
هذا السؤال ليس من أجل إيجاد نوافذ تشكيك في الدين الإسلامي، بقدر ما هو محاولة لقدح الذهن للتأمل - بعض الشيء - في مآلات الفلسفة الإسلامية الكبرى كما جاءت في تلك النسخة الأولى من إسلام ما قبل المذاهب، في محاولة للبحث عن صورة ما لتلك النسخة المفقودة، وكيف ذابت لصالح جزئيات مذهبية مشغولة بقضاياها.
إن فلسفة أي مذهب من مذاهب الإسلام اليوم ما هي إلا ردة فعل تجاه فلسفة مذهب آخر، أو تجاه فكرة سياسية، أو تجاه أشخاص. وجذور أي مذهب ومنشؤه يكشفان فورا أنه مجرد ردة فعل وقتية، ولكن كُتب لها الاستمرار مع استمرار ذات العوامل المغذية له أيديولوجيا.
وسط هذه المتواليات من ردات الفعل التي كونت في النهاية مذاهب متعددة بتعدد تلك المواقف الضدية بين المسلمين في فترات تاريخية سابقة، ضاعت تلك الفلسفة الكلية للدين الإسلامي وتفرق دمها بين مذاهب فرعية وجزئيات تسلقت الحديث النبوي والتفسير والسيرة، ورسخت أيديولوجيتها، فجاء الدين الإسلامي في صورة تلك المذهبية الضيقة، مُختزلا ذا صورة محددة بحسب جغرافية البلد الذي يطبق فيه ومزاجه البيئي والاجتماعي، كما جاء متضادا في معطياته بين مذهب وآخر، بل وبين ثقافة قُطْرية وأخرى.
في إطار المذهب الواحد جاءت الاختلافات بين زمن وآخر، وبين مكان وآخر. الزمان والمكان هنا كانا ضمن عوامل التعرية التي أثرت في تماسك المذهب الواحد فلم يصمد، فما الذي يمكن أن نقوله عن دين أشمل يضم جزئية ذلك المذهب وضدها، يحتوي تلك الثقافة ونقيضها، يتضمن ذلك البلد الإسلامي وعدوه من البلاد الإسلامية الأخرى؟
في نقاشات الدين والهوية يختلط الكثير من التصورات التي أضيفت لاحقا وترسخت - لتراكمها الزمني- كجزء من بنية تلك الهوية وذلك الدين. ونحن هنا لا نناقش اختلافات في فروع الفقه البسيطة كالتي بين الشافعية والمالكية في مسائل لا تذكر، بل اختلافات جذرية كليا طفحت في داخل المذهب الواحد، كالجدل الذي حصل بين الحنابلة الأوائل أنفسهم في مسائل التجسيم والإثبات مثلا، أو كالتي بين حنابلة بغداد الذين كانوا يتبركون بقبر أحمد بن حنبل وبين حنابلة دمشق الذين جاؤوا في زمن لاحق مُنكرين ذلك التبرك بالكلية! إنها اختلافات تؤسس لما بعدها، وتبني تاريخا قادما، وتشكل مسارات جديدة. هذا داخل المذهب الواحد، فكيف بدين كامل أوسع في المكونات الجغرافية والتاريخية والأنثروبولوجية؟
الغريب في الأمر أن المذاهب تحصل لها مختلف التغييرات التي تعطف من مساراتها ما عدا أن تحصل لها المراجعة الحرة والشجاعة لأخطائها، أو أن تمارس النقد الذاتي التصحيحي. ومتى ما كانت هذه الفضيلة سلوكا أبجديا للعقل الباطن للأمة فحينها يمكن أن نصدق شعار (لن تقوم للأمة قائمة إلا بالعودة إلى دينها)، وبدون ذلك فأي دين يمكن العودة إليه على خارطة تلك التقلبات؟
وفق مبدأ المراجعة التاريخية والتصحيح المفترض يمكن جدا القفز على كل ركام التاريخ، من أجل البدء في طريق المستقبل الجاد الذي لم يعد مستساغا فيه العيش وفق ذات المضغ القديم لذات الأدبيات الغارقة في جزئيات التفريق والكراهية ضد الآخر المختلف.
waheed@makkahnp.com