الصراع لحظة خطورته!
الأربعاء / 15 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:15 - الأربعاء 24 فبراير 2016 20:15
تصاعد القلق من الصراع بين التيارات الفكرية والمكونات الاجتماعية في المملكة مرارا، ولكنه بلغ في الآونة الأخيرة مدى خطرا ربما لم يبلغه من قبل. وهو مدى جمع أوضار الطائفية والقبلية والمناطقية والعنصرية في اتجاه الدلالة عند هذا القبيل أو ذاك على الامتياز أو المظلومية الاجتماعية بمعنى أو آخر. وكانت إحدى تجليات الصراع الأكثر إثارة للقلق ما حدث بسبب نقد بعض الإعلاميين والكتاب لجهاز هيئة الأمر بالمعروف، وللتيارات الدينية المشبوهة ورموزها.
فقد بدا الصراع هنا ـ في حوادث مرصودة - مثيرا للمخاوف على حياة بعض الكتاب، وشهادة على إرادة التشويه لآخرين، حتى وصل إلى تداعي بعض أئمة الجوامع إلى الدعاء عليهم في صلاة الجمعة. إضافة إلى مظاهر احتشاد شديد الاستقطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعف أحيانا عديدة عن أكثر أشكال اللغة عنفا أو ابتذالا؛ فهل نستطيع النظر إلى هذا الصراع باطمئنان؟ ومتى يغدو الصراع الاجتماعي والفكري نذيرا بالخطر؟!
إن الصراع بين التيارات الفكرية والفئات الاجتماعية المختلفة حقيقة معتادة في كل المجتمعات؛ حقيقة تاريخية لا يقوم مجتمع إنساني في زمان ومكان بغيرها. لكن هذا وجه من الحقيقة لا كلها، فمن الحقيقة ـ أيضا- أن الصراع الذي يكون سببا لتشكل السلطة وانتظامها سواء في شكل بدائي كالقبيلة أم في شكل الدولة البرلمانية الحديثة، يمكن أن يغدو شكلا لانفجار الانتظام الاجتماعي، وعامل تقويض لبنيته، حين يتصف بصفات محددة لا تقوى سلطة الدولة على موازنتها واستيعابها، كما هو مفترض في قدرة الدولة وضرورتها.
ولذلك لا نجد حديثا في الفلسفة الاجتماعية والتاريخية عن ضرورة الدولة وعن وظيفتها أكثر من الحديث عن إدارة الصراع في المجتمع وضبط التنافس واحتكار الحق في استخدام العنف. فهذه وجوه تترتب عليها ضرورة الدولة بوصفها القدرة الوحيدة المؤهلة لذلك. ولا تستطيع الدولة أن تقضي على الصراعات تجاه السلطة بمنعها، وإنما بالامتصاص لها بوصف الدولة نظاما، بحيث ينتج عن ذلك ما يصفه جورج بوردو بـ»جدلية النظام والحركة» فلا يؤدي الصراع والتنافس إلى تصدع النظام، أي تصدع الدولة، لأن الصراع مرحلة من مسيرة الجدلية التي تسمح للنظام عبر تجدده بتمثل الحركة وامتصاص الصراع.
وبالطبع، فإن الصراع مقولة زمانية، أي تحدث وتتجدد وتزداد، لأن المجتمع الذي ينتجه ليس ساكنا ومحدودا، بل يتوالد وينمو وتزداد طاقاته وحاجاته ووعيه وتختلف مشاربه وتتعدد وجهاته... إلخ. وهو لن يكون صراعا ـ
ما دام الأمر كذلك- إلا بتقابل الزمانية فيه مع المكانية، والحركة مع النظام، والتجدد مع الثبات؛ فكل صراع اجتماعي هو توتر بين الرغبة في التجديد والعدالة والتطوير وبين قوة التثبيت والتقليد. وإذا لم يستطع النظام أن يؤمن سلميا الإثراء والتجدد اللازم له لامتصاص الصراع، فإن الحديث لدى الفلاسفة ينتقل إلى أوضاع أخرى يتقوقع المجتمع فيها في جمود قاتل، أو يتصاعد الصراع إلى ذروة تدمره وتؤدي إلى انهياره.
هذا يعني أن مظاهر الصراع التي أخذت تتزايد في المجتمع السعودي في حاجة إلى امتصاص، وهي في شكلها المتوتر أصعب من أن تستجيب لمسكنات موقتة، خاصة وهناك تناف أصبح أكثر جذرية بين بعض التيارات والمكونات. لا بد ـ إذن- من تطوير في هيكل مؤسسات الدولة وأنظمتها يتيح بتجدده وانضباطه الاستيعاب لحركة الصراع واجتثاث مظاهر عنفها اللفظي والمادي.
zayad.s@makkahnp.com
فقد بدا الصراع هنا ـ في حوادث مرصودة - مثيرا للمخاوف على حياة بعض الكتاب، وشهادة على إرادة التشويه لآخرين، حتى وصل إلى تداعي بعض أئمة الجوامع إلى الدعاء عليهم في صلاة الجمعة. إضافة إلى مظاهر احتشاد شديد الاستقطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعف أحيانا عديدة عن أكثر أشكال اللغة عنفا أو ابتذالا؛ فهل نستطيع النظر إلى هذا الصراع باطمئنان؟ ومتى يغدو الصراع الاجتماعي والفكري نذيرا بالخطر؟!
إن الصراع بين التيارات الفكرية والفئات الاجتماعية المختلفة حقيقة معتادة في كل المجتمعات؛ حقيقة تاريخية لا يقوم مجتمع إنساني في زمان ومكان بغيرها. لكن هذا وجه من الحقيقة لا كلها، فمن الحقيقة ـ أيضا- أن الصراع الذي يكون سببا لتشكل السلطة وانتظامها سواء في شكل بدائي كالقبيلة أم في شكل الدولة البرلمانية الحديثة، يمكن أن يغدو شكلا لانفجار الانتظام الاجتماعي، وعامل تقويض لبنيته، حين يتصف بصفات محددة لا تقوى سلطة الدولة على موازنتها واستيعابها، كما هو مفترض في قدرة الدولة وضرورتها.
ولذلك لا نجد حديثا في الفلسفة الاجتماعية والتاريخية عن ضرورة الدولة وعن وظيفتها أكثر من الحديث عن إدارة الصراع في المجتمع وضبط التنافس واحتكار الحق في استخدام العنف. فهذه وجوه تترتب عليها ضرورة الدولة بوصفها القدرة الوحيدة المؤهلة لذلك. ولا تستطيع الدولة أن تقضي على الصراعات تجاه السلطة بمنعها، وإنما بالامتصاص لها بوصف الدولة نظاما، بحيث ينتج عن ذلك ما يصفه جورج بوردو بـ»جدلية النظام والحركة» فلا يؤدي الصراع والتنافس إلى تصدع النظام، أي تصدع الدولة، لأن الصراع مرحلة من مسيرة الجدلية التي تسمح للنظام عبر تجدده بتمثل الحركة وامتصاص الصراع.
وبالطبع، فإن الصراع مقولة زمانية، أي تحدث وتتجدد وتزداد، لأن المجتمع الذي ينتجه ليس ساكنا ومحدودا، بل يتوالد وينمو وتزداد طاقاته وحاجاته ووعيه وتختلف مشاربه وتتعدد وجهاته... إلخ. وهو لن يكون صراعا ـ
ما دام الأمر كذلك- إلا بتقابل الزمانية فيه مع المكانية، والحركة مع النظام، والتجدد مع الثبات؛ فكل صراع اجتماعي هو توتر بين الرغبة في التجديد والعدالة والتطوير وبين قوة التثبيت والتقليد. وإذا لم يستطع النظام أن يؤمن سلميا الإثراء والتجدد اللازم له لامتصاص الصراع، فإن الحديث لدى الفلاسفة ينتقل إلى أوضاع أخرى يتقوقع المجتمع فيها في جمود قاتل، أو يتصاعد الصراع إلى ذروة تدمره وتؤدي إلى انهياره.
هذا يعني أن مظاهر الصراع التي أخذت تتزايد في المجتمع السعودي في حاجة إلى امتصاص، وهي في شكلها المتوتر أصعب من أن تستجيب لمسكنات موقتة، خاصة وهناك تناف أصبح أكثر جذرية بين بعض التيارات والمكونات. لا بد ـ إذن- من تطوير في هيكل مؤسسات الدولة وأنظمتها يتيح بتجدده وانضباطه الاستيعاب لحركة الصراع واجتثاث مظاهر عنفها اللفظي والمادي.
zayad.s@makkahnp.com