الرأي

الوقف ودوره في التنمية

محمد العقلا
عقدت الغرفة التجارية والصناعية بمدينة الرياض الملتقى الثالث للأوقاف يومي 5-6 جمادى الأولى، وذلك بالتعاون مع أوقاف الشيخ محمد بن عبدالعزيز الراجحي رحمه الله، ونوقشت خلال هذا الملتقى العديد من البحوث وأوراق العمل في خمس جلسات علمية، كما عقد على هامش الملتقى العديد من ورش العمل عن واقع أوقاف الجمعيات الخيرية، وعوامل الاستثمار الناجح وتأسيس الأوقاف والاتجاهات المعاصرة في مصارف الأوقاف، وأقيم أيضا معرض مصاحب للجهات والمؤسسات الخيرية الوقفية.

وشهدت جلسات المؤتمر وورش العمل حضورا كبيرا ومتميزا من العنصرين الرجالي والنسائي، وكانت بصمات رئيس اللجنة التنظيمية والعلمية الشيخ عبدالرحمن العقيل واضحة، وجهوده مشكورة في الإعداد والتحضير والتنظيم للملتقي منذ عقده للمرة الأولى قبل أربع سنوات وحتى الآن.

وافتتح الملتقى ورعاه معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، وأعلن في كلمته التي ألقاها عن قرب تعيين رئيس لمجلس إدارة هيئة الأوقاف العامة، وأيضا قرب تعيين أعضاء مجلس إدارة الهيئة، وأنه بمجرد قيام الهيئة بمزاولة أعمالها سوف تنتهي صلة الوزارة تماما بالأوقاف، وتنتقل بالتالي جميع مسؤولياته إلى الهيئة، وهو ما سوف يضفي عليها وعلى أعمالها الاستقلالية والمرونة، والبعد عن الروتين الحكومي الذي كان سببا في تعطيل أو الحد من حركة الأوقاف خلال السنوات الماضية.

وخلال الجلسة التي رأسها معالي وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة طرح موضوع قيام الشركات الوقفية وموضوع إعفاء هذه الشركات من الرسوم، فوعد بأن يتم هذا الأمر سريعا، كما أعلن بعض رجال الأعمال والتجار والموسرين - من خلال هذا الملتقى - عن وقف عشرات الملايين من الريالات، وهو أمر مفرح للغاية وثمرة من ثمار هذا الملتقى، ويعد انعكاسا لقيام الغرف التجارية والصناعية بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع، وأدعو بهذه المناسبة جميع الغرف التجارية والصناعية بالمملكة إلى عقد ملتقيات وورش عمل في جميع مناطق ومحافظات المملكة للتعريف بالوقف، وبيان أهميته ودوره في تحقيق التنمية المستدامة والأجر الأخروي المترتب على هذا العمل الخيري، فالبشر بحاجة ماسة لمن يذكرهم بالإنفاق في سبيل الله والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة ومتنوعة، قال تعالى «وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون».

والوقف أحد أنواع التصدق بالمال، يحبس فيه أصل المال عن التصرف فلا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتسبل ثمرثه أو غلته أو ريعه، أي تكون في سبيل الله سواء في المصالح العامة للمسلمين أو لمصلحة أحد الأفراد، وقد حث الإسلام على الوقف وجعله من أفضل القربات المالية التي يتقرب بها المسلم إلى ربه وينتفع بها بعد موته، إذ يظل ثوابها متصلا ودائما غير منقطع.

وكان الوقف هو السبيل الذي يوصي به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا ما أرادوا التصدق بأنفس أموالهم وأحبها إلى نفوسهم، وجاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها قائلا: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منها فما تأمرني فيها؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث، قال عبدالله بن عمر: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه.

وقد اشتهر الوقف بين الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين من بعدهم، والحاجة ماسة اليوم لتضافر الجهود لنشر الوعي بين أفراد المجتمع بأهمية هذه الشعيرة الإسلامية الهامة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال تنوع مصارف الوقف في التعليم والصحة والدعوة إلى الله وبناء المساجد والإنفاق عليها والسقيا وإطعام الفقراء والمساكين.. إلخ.

فهل يتحقق هذا الأمر.. أرجو ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل.